سياسة

حسابات تركيا من مقتل سليماني


كان لافتا تأخر تركيا في التعليق على مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني بقصف صاروخي أمريكي، إذ التزمت الصمت إلى اليوم الثاني لمقتله قبل أن تصدر خارجيتها بيانا، كان أشبه بمن يمسك العصا من المنتصف، ثم كان لافتا أكثر موقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال اتصال هاتفي مع نظيره الإيراني حسن روحاني عندما وصف سليماني بالشهيد، قبل أن يتراجع عن هذا الوصف عبر مصدر مقرب منه.

فهل كان التأخير التركي في التعليق نتيجة حسابات معقدة ومتداخلة؟ وهل كان تراجع أردوغان عن وصف سليماني بالشهيد سببه الخشية من غضب أمريكي؟ في الواقع، كان غريبا أن تتأخر تركيا في التعليق على مقتل سليماني، وهي التي تتسارع إلى التدخل في كل شاردة وواردة في شؤون دول المنطقة، وهي في تعليقها على قتله حرصت على إظهار نفسها بمظهر الحياد.

ولكن في الحقيقة، كان هذا الحرص في مكان آخر، ولسبب آخر غير الحياد، فهي لم تقف إلى جانب الولايات المتحدة في قتلها لسليماني خشية من إيران التي هددت بإشعال المنطقة وضرب القواعد الأمريكية فيها، حيث تركيا من أقدم حلفاء أمريكا في المنطقة، وعلى أراضيها العديد من القواعد الأمريكية، كما أنها في الوقت نفسه لم تقف إلى جانب إيران صراحة خشية من غضب أمريكي، خاصة أن ترامب هدد برد ساحق ضد إيران.

وقد كان لافتا، أن تركيا تهربت من اتخاذ موقف واضح، أبدت استعدادها للتوسط بين الطرفين، وهي تدرك مسبقا أن لا إيران ولا الولايات المتحدة ستردان على وساطتها.

حسابات تركيا من مقتل سليماني تجاوزت الخشية من غضب إيران وأمريكا معا إلى تداعيات وارتدادات منتظرة على ساحات العراق وسوريا، حيث تتنافس طهران وأنقرة على الساحتين في إطار صراع قديم-جديد بينهما، يعود إلى أيام الدولتين الصفوية والعثمانية، والثابت هنا بخصوص سليماني أنه كان المنفذ الأول لأجندات إيران في هاتين الساحتين المهمتين، فضلا عن ساحات اليمن ولبنان وغزة، وعليه لم يكن مقتل سليماني مجرد حدث يخص العلاقة الإيرانية-الأمريكية فحسب؛ إذ من شأن مقتله ظهور تداعيات على الوجود الإيراني في عدد من هذه الساحات، وهذا سيؤثر بالتأكيد على اللاعبين الآخرين، ولا سيما تركيا التي لها علاقات مركبة مع إيران، فالعلاقات بينهما بقدر ما تبدو خلافية في الشكل بقدر ما تبدو رهينة مصالح مشتركة، وحرص قادر على تطويع هذه الخلافات لصالح التفاهمات.

ولعل سوريا كانت مثالا بارزا على هذه المعادلة في العلاقة بين الجانبين، حيث كان سليماني ورئيس الاستخبارات التركي حقي فيدان مهندسي هذه السياسة في معظم الأجندة المتعلقة بالساحة السورية. في الواقع، على الرغم من أن البعض قد يعتقد بأن تركيا ستكون مستفيدة في سوريا من غياب سليماني، وأن تركيا قد تسعى للاستفادة من غيابه للتمدد أكثر في سوريا، وتحديدا في ريفي حلب وإدلب.

إلا أن الجانب السلبي من هذا الغياب ربما يكون أكبر من ذلك بكثير، فغياب سليماني قد يؤثر على التنسيق بين الجانبين، إذا ما علمنا أن الصفقات التي جرت في سوريا كانت غالبا ما تتم وفقا لتفاهمات بين الجانبين إضافة إلى روسيا، فقد كان سليماني وفيدان مهندسي صفقات نقل المسلحين من المناطق السورية المختلفة إلى محافظة إدلب، كما كانا مهندسي اتفاقات أستانة مع الروس، وراسمي حدود التفاهمات بشأن العمليات العسكرية التركية في سوريا (درع الفرات – غصن الزيتون – نبع السلام).

والقضية تتجاوز الساحة السورية إلى العراق، وتحديدا إقليم كردستان العراق، إذ كان لافتا موقف الجانبين من الاستفتاء الذي أجراه إقليم كردستان العراق على الاستقلال قبل أكثر من سنتين، وكيف ضغطتا إيران وتركيا لإفشال هذا الاستفتاء قبل أن يظهر دور سليماني في صفقة كركوك والتي شكلت خسارة قاسية لحكومة إقليم كردستان العراق. وعليه يمكن القول إن تركيا تشعر بخسارة كبيرة في مكان ما من مقتل سليماني، ومع أن الضربة الإيرانية الشكلية لمواقع أمريكية في العراق أبعدت احتمال المواجهة الأمريكية-الإيرانية، فإن السؤال المهم هنا، أين كانت ستقف تركيا فيما لو اندلعت هذه المواجهة بين الطرفين؟ تركيا وطوال السنوات الماضية كانت تطالب دول الحلف الأطلسي بالوقوف إلى جانبها في عدوانها على الأراضي السورية، وفقا للمادة الخامسة من ميثاق الحلف.

فهل كانت تركيا ستقف وفقا لهذه المادة إلى جانب الولايات المتحدة والحلف الأطلسي في الحرب ضد إيران مع اختلاف الظروف والأسباب؟ سؤال ربما يكشف مدى نفاق السياسة الخارجية التركية، وهي السياسة نفسها التي مارستها في الأزمة اليمنية، عندما أعلنت في البداية دعمها لعملية عاصفة الحزم في اليمن، قبل أن تتحول إلى موقع المنتقد لها، وتؤيد إيران بشكل غير علني في هذه الأزمة بعد أن اتهمت السياسة الإيرانية في العراق وسوريا بالطائفية طوال السنوات الماضية.

نقلا عن العين الإخبارية

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى