منذ إعلان الرئيس قيس سعيد بيانه الإصلاحي في 25 يوليو الماضي، والذي جمّد به عمل البرلمان وأعفى رئيس الحكومة، أعلن التونسيون تأييدهم المطلق لرئيسهم.
وكان الدافع الأكبر لذلك هو ركام الإحباط والمعاناة، التي عاشها الشعب نتيجة البطالة والفقر وانخفاض مستوى المعيشة، ورفضًا مباشرًا لمن قادوا البلاد إلى هذه الحالة المزرية، خصوصاً حركة النهضة، ذراع الإخوان في تونس، وزعيمها راشد الغنوشي.
وهنا يتعجّل التونسيون الإجراءات التي تؤكد المسار الديمقراطي لبلادهم مع تأكيد رغبتهم في عدم العودة إلى الوراء، فيما تحاول بعض الأطراف استغلال هذا التعجُّل الشعبي، لكن الحل يبقى دائما في تقديم مبادرات عملية واتخاذ خطوات لتفعيل القوانين لمواجهة الفساد المالي ومقاضاة الأطراف المتهمة بالمشاركة في عمليات إرهابية، خصوصًا أن قوى سياسية جددت مطالبها للرئيس التونسي باتخاذ إجراءات عاجلة في ملف المحاسبات القضائية الخاصة بتمويل الإرهاب والفساد، مشددة على ضرورة حل جميع الأحزاب، التي تندرج في قائمة التمويلات الخارجية، وعلى رأسها حركة النهضة الإخوانية.
الرئيس قيس سعيد نفذ ما كان يحلم به الشعب التونسي بإسقاط منظومة الفساد الإخوانية، وفتح حربا على الفساد بالمضمون الذي طالب به الشعب، أي تفكيك نفوذ حركة النهضة والبحث في ملفاتها وملفات حلفائها والشخصيات التي قبلت اللعب تحت مظلتها.
وما بين حالة التفاؤل والتعجّل تعود بنا الذاكرة إلى سنوات عشر مضت عاشت خلالها تونس تقلّبات سياسية واجتماعية كبرى، طغى عليها الانتهازية والخيانة، حتى أصبح الفساد طاغيا والعدالة مطلبا يصعب الوصول إليه.
ويرى كثير من التونسيين أن تونس نبع للاستنارة ولا تحتاج إلى اتفاقيات ومشاريع مستوردة تشوه العقول وتدفع إلى التطرف والغلو في الدين، بعدما أدركوا حجم الأخطاء التي اقترفتها حركة النهضة الإخوانية طوال السنوات الماضية، معتبرين أنّ الشعارات المزيفة، التي رفعتها “النهضة” بأنّ “الإسلام والديمقراطية في خطر” و”الدعوة إلى التدخل الخارجي” تشويه مفضوح لسمعة البلاد وخيانة للوطن.
تميل حركة “النهضة” الإخوانية في التعاطي مع الرئيس التونسي إلى أسلوب يقوم على المخاتلة والخداع، فقد أسهمت عبر تنظيمها الدولي في تدخل الغرب في شؤون تونس، وهي أيضًا لا تتظاهر في الشارع بنفسها، وإنما توكل مهمة التظاهر والاحتجاج إلى شخصيات وأحزاب صغيرة، بعضها مقرب منها وبعضها الآخر بعيد عنها كل البعد.
“النهضة” من مصلحتها أن تُثار تجمعات معارضة دون رئيسها ودون أي من قياداتها الرسمية، فهي تعرف أن احتجاجا محدودا ولو ضم بضعة آلاف من المحتجين لن يغير شيئا من المشهد ما دام أن الرئيس التونسي حسم أمره بطيّ صفحة المرحلة الماضية ببرلمانها وحكومتها وأحزابها، وهي تعرف أن الرئيس قيس سعيد لا يزال يحوز شعبية كبيرة فيما انتهت شعبية الحركة الإخوانية.
تعيش تونس حاليا مرحلة تحرير وطني من الفساد والتدخل السياسي في القضاء وانعدام العدالة الاقتصادية، وتطوي صفحة فساد الإخوان، فقد عكس الشارع التونسي مؤخرا مدى المأزق الكبير الذي تعيشه حركة النهضة رغم محاولات “الغنوشي” واستقوائه بالخارج ضد بلاده، وهو الأمر الذي أشار إليه الرئيس قيس سعيد بالتلويح بإنذارات عدة لتفعيل تقرير محكمة المحاسبات بشأن الانتخابات من خلال مرسوم رئاسي يسقط القائمات الانتخابية المتهمة بالحصول على تمويل أجنبي، ما يعني حل البرلمان.
يأتي هذا في وقت زعم فيه رئيس البرلمان المجمد أن البرلمان “سيعود قريبا”.
الرئيس التونسي قيس سعيد يواجه امتحانات الواقع، بعدما أكد أن الدولة “لا تُدار في الملاهي والسهرات وفي المقاهي ولا في الاجتماعات المغلقة، بل داخل مؤسسات الدولة ووفق القانون”، ما يعني أنه اختار عدم العودة إلى الوراء، فيما لا يزال الشارع التونسي يقف مع رئيسه ويدعمه بقوة في كل خطواته السياسية حتى يفرغ من ملف الانتقال السياسي، الذي أسست له الإجراءات الدستورية.
العين الإخبارية