تونس.. ضغوط تعرقل مساعي النهضة الإخوانية لتوسيع نفوذ قطر وتركيا في البلاد
شن عدد من الأحزاب والشخصيات السياسية ومنظمات المجتمع المدني في تونس ضغوطا انتهت بمنع انعقاد جلسة برلمانية للتصويت على اتفاقيتين وصفتا بـ المشبوهتين مع كل من تركيا وقطر، وسط اتهامات لرئيس البرلمان راشد الغنوشي باستغلال سلطته، لتمكين الدولتين من المزيد من التغلغل وإحكام القبضة على اقتصاد البلاد.
وقالت رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، في مقطع فيديو على صفحتها في فيسبوك، إنه بطلب من الحكومة تم تأجيل الجلسة العامة التي كانت مبرمجة الأربعاء، إلى أجل غير مسمى، موضحة أن الحكومة وجهت مراسلة لمجلس النواب لطلب تأجيل الجلسة التي ستخصص للمصادقة على اتفاقيات مع كل من قطر وتركيا، مؤكدة أنه بفضل ضغط المجتمع المدني وعدد من السياسيين تم تأجيل هذه الجلسة.
وتتعلق الاتفاقية الأولى بإنشاء فرع للصندوق القطري للتنمية في تونس، وتنص بنودها على أنّه لا يمكن للدولة التونسية أن تعطّل بشكل مباشر أو غير مباشر المشاريع التي يشارك فيها الصندوق، وهو ما يعني أنه إذا ما تم في أحد مشاريع الصندوق ارتكاب أخطاء أو تجاوزات أو جرائم، أو في حال دخل الصندوق في مشاريع مخالفة للبرنامج التنموي للدولة التونسية فإنّه لا يحق لتونس أن تتدخل في هذه المشاريع، وإن حاولت القيام بهذا فإنّه يتاح للصندوق أن يقاضيها وأن يطلب منها تعويضات.
والخطير، في علاقة بهذه الاتفاقية التي تدفع النهضة إلى إبرامها مع قطر، أنها تتضمن بندا يؤكد على أنه يحق للصندوق الدخول في شراكات مع أطراف أجنبية تخص المشاريع التي يتولّاها في تونس دون العودة إلى الدولة التونسية، ووفق بنود الاتفاقية نفسها يحق للصندوق أيضا تحويل الأموال التي يجنيها في تونس إلى أي جهة أجنبية أخرى وبالعملة الصعبة دون أي قيد أو شرط.
وبحسب مراقبين، فإن الأخطر من كل ذلك يتعلق بالطاقة التشغيلية لهذه المشاريع، إذ أن الاتفاقية تنص صراحة على أنه يسمح للصندوق باستخدام الموظفين والمستشارين ذوي الجنسيات الأجنبية وتمنح لهم تراخيص عمل وأنّه لا يسمح للدولة التونسية بمراقبة هؤلاء.
أما الاتفاقية الثانية مع الجانب التركي فتتعلق أساسا بـ قانون التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات؛ وذلك رغم إعراب كل الأحزاب، منذ إسقاط نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في 2011 أي مباشرة بعد إمساك حركة النهضة بمقاليد الحكم، عن أنّ التبادل التجاري بين تونس وتركيا غير متكافئ ولا ينصف تونس.
ويتضمن مشروع القانون مع الجانب التركي منح الأتراك حقّ الإقامة والتمتع بالامتيازات الجبائية والمالية تحت غطاء الاستثمار، وهو ما سيؤثر من الناحية الاقتصادية على المؤسسات والشركات الصغرى والمتوسطة التونسية.
وخلال الأيام القادمة، يتوقع أن تنعقد جلسة للمصادقة على القانون، وسط مخاوف من أن تقنع حركة النهضة بعض الأطراف بهاتين الاتفاقيتين.
وبالنظر إلى التقسيم السياسي والأيديولوجي لمكونات البرلمان التونسي، فإنه يبدو من المؤكد أن كتلتي النهضة وائتلاف الكرامة، ستصوتان لفائدة هاتين الاتفاقيتين بحكم ولائهما المعروف للمحور القطري – التركي.
وتخشى أوساط سياسية أن تنجح حركة النهضة في جر أهم كتلة في المعارضة، وهي كتلة حزب قلب تونس، إلى صفها.
في المقابل أعلنت كتلة الحزب الدستوري الحر عن توجهها للمحكمة الإدارية للطعن في هاتين الاتفاقيتين، وكذلك توجهت أربع كتل لرفض هذه المخططات وهي الكتلة الديمقراطية (تضم التيار الديمقراطي وحركة الشعب) وكتلة تحيا تونس والكتلة الوطنية (منشقة عن قلب تونس) وكتلة المستقبل.
ودخل الاتحاد العام التونسي للشغل، وهو أكبر منظمة نقابية في البلاد، ليحذر في بيان مما أسماه استغلال الظرف لتمرير مشاريع واتفاقيات خارجية مشبوهة معادية لمصالح تونس وترهن مستقبل الأجيال لصالح اصطفافات وأحلاف أجنبية.
وأكد الاتحاد أن أيّ خطوة في هذا الاتجاه ستواجه بالرفض الشعبي والتصدّي المدني وأن الاتحاد لن يتأخر عن خوض النضالات الضرورية لإسقاطها.
وكانت زيارة راشد الغنوشي إلى تركيا في يناير الماضي، حيث أجرى لقاءً مغلقا مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أثارت انتقادات واسعة اعتبرت أن هدف الزيارة هو الزج بتونس في المحور القطري – التركي وسط اتهامات للغنوشي بالسطو على صلاحيات الرئيس قيس سعيد باعتبار أن ملف العلاقات الخارجية من صميم صلاحيات رئيس الجمهورية.
وعادت هذه الانتقادات إلى الواجهة من جديد عقب نشر وكالة الأناضول التركية يوم 25 أبريل خبرًا يتعلق باتصال أجراه أردوغان مع الغنوشي، وزاد من حدة تلك الانتقادات عدم الإعلان عن المكالمة من قبل مجلس النواب التونسي.