سياسة

تونس تلغي اتفاقيات الشراكة مع الذراع الديني للإخوان.. ما المغزى والدلالات؟


قررت تونس إنهاء التعاون مع ما يعرف بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، بعد سنوات من نشاطه على الأراضي التونسيّة، وقالت وزارة الشؤون الدينيّة في تونس، إنّها أنهت اتفاقياتها مع مركز الإسلام والديمقراطية، الذي يترأسه القيادي الإخواني رضوان المصمودي، والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، على خلفية اتهامه بالتورط في تغيير منظومة الأفكار لدى أفراد الشعب التونسي، عبر مجموعة من الدورات؛ التي تكرّس مناهج متشددة، وتأويلات غير منضبطة في الفكر الديني، فضلاً عن تورطهم في إرسال مجموعات من التونسيين نحو بؤر التوتر والإرهاب، وخلق مقاربات موازية لمؤسسات الدولة التونسيّة، سيما منظومة التعليم.

ردود الأفعال:

دفع قرار وزارة الشؤون الدينيّة، بإلغاء اتفاقيتي التعاون مع اتحاد علماء المسلمين، ومركز الإسلام والديمقراطية، تجاه حالة من الجدل السياسي في تونس، حيث قال الوزير السابق والقيادي في حركة النهضة، عبد اللطيف المكي، في تصريحات صحفيّة، إنّ القرار جاء في إطار تصفية الحسابات السياسيّة من خلال القانون.

بينما علّقت رئيسة الحزب الدستوري الحر، عبير موسي، التي نظمت خلال الشهور الماضية عدة تحركات لمواجهة الاتحاد، والدعوة إلى غلق فرعه بتونس، مطالبة الدولة بإعلان غلق مقر الاتحاد في تونس، مؤكدة أنّها ستقوم بالاعتصام، “إذا لم يتم نشر خبر رسمي من رئاسة الجمهورية، أو رئاسة الحكومة، حول غلق مقر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وفتح تحقيق في أمواله، وأرصدته، ومسيّريه، ومؤسسيه، وإحالتهم إلى القضاء“.

من جهته، علّق الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين على إلغاء الاتفاقية مع وزارة الشؤون الدينية التونسيّة، معلناً احترامه وتفهمه لقرار وزير الشؤون الدينيّة، ابراهيم الشايبي، القاضي بإيقاف اتفاقية الشراكة، لكنه أوضح أنّ الاتفاقيّة نصّت في فصلها السادس، على أنّها “تبقى مقتضياتها سارية المفعول، ما لم يبد أحد الأطراف الرغبة في إلغائها، في أجل شهرين، وإبلاغ الطرف الآخر كتابيّاً بذلك”. وأضاف في بيانه أنّ هذه الاتفاقية بقيت سارية المفعول،  إلى أن تلقى الاتحاد الأربعاء الأخير من شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، خطاباً من وزير الشؤون الدينيّة، أعرب من خلاله عن رغبة الوزارة في عدم تجديد العمل بالاتفاقية المذكورة.

كانت وزارة الشؤون الدينية  قد أبرمت في شهر  تشرين الأول (أكتوبر) العام  2014، اتفاقية تعاون مع مركز دراسة الإسلام والديمقراطية؛ لتكوين وتدريب الأئمة والوعّاظ والمرشدين؛ عن طريق تنظيم دورات تدريبيّة مشتركة، ومحاضرات، وندوات، وورش عمل، ومؤتمرات وطنية ودولية، بينما تعود اتفاقية التعاون بين الوزارة والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فرع تونس،  إلى شهر كانون الأول (ديسمبر) من العام  2012.

وعن  أسباب إلغاء الاتفاقية مع مركز الإسلام والديمقراطية، والاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، خصّ مصدر مطلع بوزارة الشؤون الدينيّة التونسيّة “حفريات”، بتصريحات أكّد فيها أنّ الوزارة تنأى بنفسها عن كلّ ما من شأنه أن يكون فيه شبهة خاصّة، وأنّ بعض القائمين على هذه المراكز لهم انتماء سياسي واضح، ومنهم من له مواقع قياديّة حزبيّة، الأمر الّذي لا يستقيم، في ظلّ سعي الوزارة لتحييد دورها.

المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، قال إنّ الدولة التونسيّة ومؤسساتها، تملك قدرات، وتعمل دوماً طيلة تاريخها، على توفير تكوين الإطارات المطلوبة في هذا الشأن، وأضاف: “تمّ اتّخاذ هذا القرار، تبعاً للأسباب السّابقة الذكر، ذلك أنّه وفقاً للفصول التي تضمنّتها الاتفاقيتان، والّتي تنصّ بنودها على إمكانية كل طرف إلغاء الاتفاقية، وإعلام الجهة المقابلة، في ظرف زمني معيّن كتابياً؛ فإنّ وزارة الشؤون الدّينيّة، بادرت بالتمشّي القانوني للإلغاء، وفقاً لبنود الاتفاقيتين“.

وفيما يختص بأمر غلق المقرّين، قال المصدر إنّ ذلك ليس من مشمولات وزارة الشؤون الدّينيّة، بل الأمر موكول إلى مؤسّسات أخرى في الدّولة، وهي تفعل ما تراه صالحاً، وفقاً للقانون.

تصدير التطرّف:

 من جهتها، ترى الكاتبة الصحفية التونسية آسيا العتروس، في تصريحات خصّت بها “حفريات”، أنّ تونس الزيتونة نبع للإسلام المستنير، ولا تحتاج لاتفاقيات ومشاريع مستوردة، تشوه العقول، وتدفع إلى التطرف والغلو في الدين. وأضافت: “أقول هذا الكلام، وأنا أدرك حجم الأخطاء التي اقترفتها حركة النهضة، طوال العشرية الماضية، في حق البلاد والعباد، ومحاولات أسلمة المجتمع”.

 العتروس ترى أنّ حالة الجدل التي أثارها إعلان إلغاء اتفاقيتي التعاون مع كل من مركز الإسلام والديموقراطية، الذي يترأسه القيادي في حركة النهضة، رضوان المصمودي، الذي يقود حملات الضغط على تونس في واشنطن، وكذلك مع ما يعرف بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، تعكس توجهات حركة النهضة المبكرة، ومنذ صعودها إلى المشهد، نحو التغلغل داخل مؤسسات الدولة، وبما يتعارض مع أهداف الدولة الوطنية المدنية.

وتضيف آسيا العتروس، وقف هذه الاتفاقيات تم منذ فترة، وتحديداً مع رئاسة الراحل الباجي قايد السبسي، واستعادة وزارة الشؤون الدينية للمساجد والجوامع، التي خرجت خلال حكم الترويكا بقيادة النهضة عن السيطرة، وتحولت في تناقض صارخ وخطير مع أحكام الدستور، إلى فضاءات بحملات انتخابية موجهة لفائدة حزب النهضة، ولفتاوى تنشر العنف والتطرف، وتكفر من تشاء، وتمنح صكوك الغفران لمن تشاء، وقد تحولت عديد المساجد إلى فضاءات استقطاب الشباب، وتسفيره إلى سوريا وليبيا.

 وتستشهد العتروس بما حدث في جامع الفتح بالعاصمة، وكيف تم تهريب الإرهابي أبو عياض، تحت أنظار الأمن، وبموافقة وزير الداخلية آنذاك، علي العريض، الذي بلغ به الأمر تبرير ما حدث، بتجنيب البلاد الأسوأ، وكذلك ما حدث في بنقردان، وما كان تنظيم داعش يخطط له بإقامة دولة الخلافة، ولولا تضحيات ويقظة أبطال المؤسسة الأمنية، وأهالي بنقردان، لكن ربما عاشت تونس سيناريو شبيه بالرقة، أو الموصل، وأيضاً جريمة مدرسة الرقاب، التي لم تكن لا مدرسة، ولا إسلاميّة بل كانت محتشداً لاستيلاب وإغراء واستقطاب الأطفال والشباب.

 والأمثلة لتدمير المجتمع التونسي كثيرة ومتعددة، ولكن ما يجب التوقف عنده، هو أنّ هذه المحاولات، كانت دوماً تنتهي بالفشل، ولا تجد لها حاضنة شعبية، وكانت غالباً ما تصطدم برفض الرأي العام، وتصدي المجتمع التونسي لهذه التوجهات؛ التي تكشف عن عقلية تونسيّة ترفض قوس الإسلام  السياسي، بعد أن خبرت خبثه وأهدافه، من وراء محاولات التغلغل في مؤسسات الدولة والمجتمع، وبعد أن اتضح فشل لعبة الإسلام السياسي، التي اقترنت بالخراب والدمار والإفلاس في مختلف التجارب، من ليبيا إلى سوريا والعراق ومصر والسودان والصومال وغيرها، وقد كشف هذا التيار عداءه لتونس، ولتطلعات التونسيين في الرفاه والتقدم، بعيداً عن كل المخططات المتدثرة بالدين، لغايات سياسية معلنة.

وتستطرد آسيا العتروس قائلة: “إنّ التونسيين لم يكتشفوا الإسلام مع صعود حركة النهضة، ولا مع عودة زعيمها من المهجر، بعد أن جمع الأموال والثروات من مصادر غير معلومة، ما دفعه للعودة للانتقام من التونسيين؛ بمحاولة فرض مشروعه الإسلاموي، الذي افتضح أمره، بعد تسريب الفيديو الذي كان يدعو فيه أنصاره إلى التمهل؛ لأنّ الأمن والجيش والإعلام غير مضمون”.

وتختتم العتروس تصريحاتها مؤكدة أنّ مساجد تونس المعمورة، والزوايا المنتشرة في كل المدن والقرى، تتحدث عن جذور وتاريخ دخول الإسلام إلى تونس، التي تحتضن جامع عقبة بن نافع في القيروان، وحيث ينتصب جامع الزيتونة في القصبة، حارساً لهذا البلد الأمين، الذي عرف من أعلام الإسلام من لا تزال آثارهم تتحدث عنهم، وبينهم الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، صاحب التحرير والتنوير، والشيخ الفاضل بن عاشور، والشيخ محمد الشاذلي النيفر، وغيرهم، فهل يجوز مع هذه القامات، البحث عن مكون ديني داخل منظمات لا أحد يعلم مصدر تمويلاتها وأهدافها، وهي  تعمل تحت غطاء الدين، وتروج للتعصب والتشدد، الأكيد أنّ المعركة مستمرة، ولا ينبغي النظر نحو انتهائها، بإيقاف العمل بالاتفاقيتين، والمعركة الحقيقية تدور في المدارس والمؤسسات التربوية، التي يتعين عليها التعجيل في لمعركة الإصلاح، وصد الأبواب أمام كل محاولات تجميد وتجهيل العقول، واستغلال الدين لغايات هدامة.

انتصار إرادة الدولة:

الكاتب والاعلامي التونسي، رياض جراد، يشير في تصريحاته لـ”حفريات” إلى أنّ إلغاء السيد ابراهيم الشايبي، لكل الاتفاقيات المبرمة سابقاً بين الوزارة والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، هو دون أدنى شك نتاج واضح ومباشر، لتوفر الإرادة السياسية الكاملة، بقيادة الرئيس قيس سعيّد، بعد القرارات التي اتخذت في  الخامس والعشرين من تموز (يوليو) الماضي.

ويؤكد جراد أنّ هذا الوكر الاستخباراتي، كان يمثل تهديداً فعلياً على الأمن القومي التونسي، هدفه ضرب مكتسبات الدولة الوطنية، وتقويض النمط المجتمعي التونسي، بما يتماهى مع الرؤى والأفكار الإخوانية، لافتاً إلى أنّ اتحاد القرضاوي، فرع تونس، ساهم بشكل كبير في قولبة بعض شباب ونساء تونس، وتسفيرهم إلى بؤر التوتر والعنف، علاوة على الأموال الطائلة التي تضخ من دوائر خارجية مشبوهة، والتي يتصرف فيها لشراء الذمم، وتمويل حزب النهضة الإخواني، الذي كان واحداً من ركائز الخطر الداهم والجاثم على الدولة التونسيّة، حيث تسابق شيوخه إلى تكفير رئيس الدولة، وتكفير الشعب التونسي بعد ثورته على إخوان تونس.

الإعلامي التونسي لفت إلى أنّ إلغاء الاتفاقيات، خطوة في اتجاه حظر الاتحاد تماماً، وغلق مقراته، ويردف: القضاء التونسي سيقول كلمته سريعاً في ذلك؛ لأنّ قضايا هذا الاتحاد جارية في المحاكم التونسية، والكلمة الفصل الآن سوف تستقر عند القضاء التونسي، الذي بدأ يستعيد عافيته نسبياً، بعد أن تم اختراقه في السنوات الماضية من قبل الاخوان.

نقلا عن حفريات

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى