تونس تؤجل زيارة وفد من صندوق النقد
أجلت السلطات التونسية زيارة وفد من صندوق النقد الدولي إلى البلاد والتي كانت مرتقبة من 5 إلى 17 ديسمبر/كانون الأول الجاري، في خطوة يراها مراقبون بأنها رفض للتعامل معه.
وهذه الزيارة كانت تأتي في إطار استعداد الصندوق لإجراء المشاورات السنوية في إطار المادّة الرابعة للصندوق، المتعلّقة بمراجعة الأداء الاقتصادي التونسي.
وتحاول السلطات التونسية إيجاد حلول داخلية لتعبئة مواردها دون الاستجابة لشروط صندوق النقد الدولي التي اعتبرها الرئيس التونسي قيس سعيّد إملاءات تهدد السلم الأهلي في بلاده.
والثلاثاء جدّد الرئيس التونسي قيس سعيّد، رفضه لـ”التصنيفات التي تقوم بها بعض المؤسسات الاقتصادية في الخارج لتونس”.
وقال إنه “يتم تصنيف تونس بناء على مقاييس خاصة بتلك المؤسسات.. ونحن نبذل المجهودات وأما التصنيف فنحن من يضع مقاييسه بناء على إرادة الشعب التونسي”.
وأضاف سعيّد وفق فيديو نشرته الرئاسة التونسية، الثلاثاء 5 ديسمبر/كانون الأول 2023، أن “إرادتنا أقوى بكثير من القوى التي تريدنا أن نكون مقاطعة نتبعها”.
وكان مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بالصندوق جهاد أزعور قد أعلن عن زيارة فريق صندوق النقد الدولي خلال الاجتماعات السنوية 2023 لمجموعة البنك والصندوق الدوليين، التّي انعقدت من 9 وحتّى 15 أكتوبر/تشرين 2023، بمراكش بالمغرب.
وللتذكير فإنّ المحادثات بين تونس وصندوق النقد الدولي بشأن برنامج تمويل جديد في إطار آلية تسهيل الصندوق الممدد مازالت معلّقة منذ ما يزيد عن السنة.
وعبر قيس سعيد عن رفضه في مناسبات عدة “للضغوط التي تمارسها الجهات المانحة على بلاده والتي يقدمها صندوق النقد الدولي الذي يطالب برفع الدعم؛ حيث قال سعيّد إن “إملاءات المقرضين غير مقبولة.. وإن خفض الدعم أدى إلى احتجاجات سقط فيها قتلى في تونس سابقاً”، مضيفاً أن “السلم الأهلي ليس لعبة”.
ومنذ فترة، تسعى تونس إلى الحصول على قرض من صندوق النقد في ظل أزمة اقتصادية حادة فاقمتها تداعيات جائحة كورونا ثم الحرب الروسية الأوكرانية.
وتنتظر الحكومة التونسية من صندوق النقد الدولي “الإفراج” عن قرض مالي بقيمة 1.9 مليار دولار موزعة على أربع شرائح على أربع سنوات، لتتمكن من الخروج إلى الأسواق المالية وتعبئة الموارد لموازنة البلاد.
التعويل على الذات
من جهته، قال علي الصنهاجي الخبير الاقتصادي التونسي إن زيارة وفد من صندوق النقد الدولي إلى تونس تأتي في إطار المراجعة الدورية التي يقوم بها الصندوق، لنشر تقديراته بالنسبة للنمو الاقتصادي وعدد من المؤشرات الأخرى.
وأكد في تصريحات أن الرئيس التونسي قيس سعيّد يرفض أي تصنيفات من قبل هذه المؤسسات المالية ويعتبرها تدخلاً في شؤونه الداخلية ومساً بالسيادة التونسية.
وأضاف أن سعيّد يخشى للغاية من رد فعل شعبه الذي لن يصمت في صورة رفع الدعم (الإنفاق العمومي) عن المواد الغذائية الأساسية وعن المحروقات أو في خصخصة (البيع) المؤسسات الحكومية التي تعاني أزمات مالية، إضافة إلى أنه يرفض تسريح الموظفين لتقليص نسب المشتغلين في الوظائف الحكومية، خاصة وأن هذه الشروط هي التي يفرضها صندوق النقد الدولي مقابل منح تونس هذا القرض.
وأوضح أن الحكومة التونسية السابقة هي التي وضعت تلك البنود الإصلاحية خلال اتفاقها مع صندوق النقد الدولي، لكن قيس سعيّد يرفض تلك الإصلاحات ويعتبرها خطيرة تهدد السلم الأهلي.
وتابع” حتى الآن لم تقدم الحكومة التونسية بديلاً آخر عن البرنامج التقني الذي وجبت مراجعته خاصة وأنه غير قابل للتطبيق في تونس باعتباره يؤدي إلى احتقان اجتماعي”.
وأكد أن التعويل على الذات هو الحل الوحيد الذي تعمل على تحقيقه الحكومة التونسية عن طريق التشجيع على الاستثمار وتطوير القطاعات السياحية والزراعية والصناعية.
الحلول البديلة
من جهة أخرى، اعتبر رضا الشكندالي بأن زيارة صندوق النقد الدولي إلى تونس حالياً غير ممكنة بسبب عدم المصادقة على مشروع قانون المالية لسنة 2024 وإدراجه في الجريدة الرسمية ما يعني أن تونس غير جاهزة إلى حد الآن لاستقبال هذا الوفد.
وأكد أن بلاده يمكن أن تتدبر أمرها دون اللجوء إلى صندوق النقد الدولي عن طريق إعداد رؤية اقتصادية وبرنامج اقتصادي لسنة2024.
وأكد أنه من بين الحلول التي يمكن أن تعتمد عليها تونس بعيداً عن الصندوق لجلب العملة الصعبة هي دعم قطاع الفوسفات ورفع حجم إنتاجه إلى ثمانية ملايين طن.
ودعا الى ضرورة تحفيز التونسيين المقيمين خارج البلاد خاصة وأن تحويلاتهم المالية التي وصلت إلى تونس خلال هذه السنة تقدر بـ 1 مليار دولار ما يعادل قيمة القرض الذي تسعى إليه تونس مقترحاً السماح لهم بفتح حسابات بالعملة الصعبة والتمتع بالفائدة الناتجة عنه.
كما دعا إلى ضرورة دعم الشركات المصدرة وتخفيض الاستقطاعات المستحقة على أرباحها، مضيفاً “كما يجب إصدار عفواً جبائياً تاماً في ما يتعلق بالسوق السوداء أو الموازية”.
وتمكّنت تونس خلال السنة الحالية من تقليص العجز بفضل تحسّن التصدير على مستوى قطاعات النسيج والملابس والصناعات الميكانيكية وزيت الزيتون، فضلاً عن تحسّن أداء قطاع الخدمات وأهمها السياحة وتحويلات التونسيين بالخارج، كما سدّدت البلاد مختلف الفواتير المتعلّقة بشراءاتها وديونها.
حلول الحكومة
من جهتها اعتبرت وزيرة المالية سهام البوغديري أن ميزانيّة الدولة وقانون المالية هي وثيقة قانونية محاسبية تقدر نفقات وموارد الدولة لمدّة سنة وهي، أيضاً، تعكس في الوقت ذاته سياستها الاقتصادية والاجتماعية، وذلك خلال جلسة عامّة، الأربعاء، استمرت لإلى ساعة متأخرة بمجلس نوّاب الشعب للنظر في مشروع قانون المالية لسنة 2024.
وأفادت الوزيرة أنّ احتياجات التمويل، لميزانيّة الدولة للسنة القادمة هي في حدود 28.188 مليار دينار (نحو 9 مليارات دولار) . وأوضحت أنه سيتم اللجوء لتعبئة 11،743 مليار دينار (ما يمثل 42% من موارد الاقتراض) من السوق الداخلية فضلاً عن تعبئة موارد خارجية في حدود 16.445 مليار دينار منها قروض مباشرة لتمويل المشاريع ومنها ما قيمته 14.470 مليار دينار دعم مباشر للميزانية.
وأوضحت بشأن القدرة على تعبئة موارد خارجية بقيمة 3.200 مليار دولار (حوالي 10 مليارات دينار) أن ذلك ممكناً بفضل العلاقات الدبلوماسية الجيّدة لتونس مع البلدان الشقيقة والصديقة.
وأضافت لقد “انطلقنا بعد في تقدير وحسم هذا التوجه من خلال التشاور في هذا الشأن، أيضاً، للحصول على ضمانات من هذه الدول لأجل تعبئة الموارد، التّي تحتاجها ميزانية الدولة لسنة 2024”.