تعزيزا لمصالح السعودية.. محمد بن سلمان يُعيد ترتيب أوراق الشرق الأوسط
في خضم جملة من التقلبات السياسية والاقتصادية أظهر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان منذ توليه منصبه، أنه رجل دولة قادر على إدارة الأزمات باقتدار وترسيخ مكانة المملكة كلاعب إقليمي ودولي وازن.
ونجح إلى حدّ الآن في تجاوز أزمات مستعصية بداية بقضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي التي حاولت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن استثمارها لجهة عزله دوليا ما وتّر العلاقات بين الشريكين الاستراتيجيين.
ثم قام بوضع حد لاضطراب أسواق النفط عبر تحالف نفطي بين الدول الأعضاء في منظمة أوبك و10 منتجين من خارجها وصولا إلى اعتماد سياسة تصفير المشاكل مع خصوم إقليميين والتركيز على تنفيذ رؤية السعودية 2030.
وأشار الأمير محمد إلى أنه مستعد للاعتماد على نفسه دون مساعدة الولايات المتحدة لتحقيق المصالح السعودية، سواء كان ذلك يعني إعادة تأسيس العلاقات مع خصوم واشنطن، أو تقليص إمدادات النفط إلى السوق وإثارة غضب المستهلكين.
وتهدف الإستراتيجية إلى تهيئة الظروف التي تمكن المملكة العربية السعودية من التركيز على خطة التحول الاقتصادي الواسعة للأمير محمد بن سلمان، المعروفة باسم رؤية 2030 التي يضخ فيها مئات المليارات من الدولارات، أملا في أن تفتح أبواب المملكة المحافظة أمام الأنشطة التجارية والسياحة وسط منافسة إقليمية متزايدة.
وقال محللون إن التحول الاستراتيجي بدأ عام 2019 بعد الهجمات المدمرة على منشآت نفط تابعة لشركة أرامكو السعودية. والتي شككت بعدها الرياض في التزامات أميركا الأمنية تجاه المنطقة، ثم اكتسب هذا التحول زخما بعد الهجمات الإسرائيلية على أهداف إيرانية. ويقولون إن المملكة تأمل في تجنب الوقوع في مرمى النيران المتبادلة بين الجانبين.
وقال المحلل السعودي عبدالعزيز صقر “تنتقل المملكة العربية السعودية من فك الارتباط إلى المشاركة للسماح لها بالتركيز على المضي قدما في رؤية 2030”.
وبذلت المملكة جهودا دبلوماسية مكثفة حيث أعادت العلاقات مع إيران. ووافقت على التقارب مع سوريا في سعيها لإعادة بناء تحالفات إقليمية بدلا من الاعتماد كليا على الولايات المتحدة، حليفها الكبير منذ فترة طويلة.
وقالت ثلاثة مصادر مطلعة إن السعودية تعتزم دعوة الرئيس السوري بشار الأسد لحضور قمة جامعة الدول العربية. التي تستضيفها الرياض في مايو، في خطوة قد تنهي عزلة سوريا الإقليمية رسميا.
لاعب مهمّ
وأعلنت المملكة عن قرارها الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون التي تقودها الصين في بادرة على إقامة علاقة طويلة الأمد مع بكين على حساب الولايات المتحدة.
وقال مسؤول سعودي إن الولايات المتحدة والصين شريكان مهمان للغاية للرياض، مضيفا “نأمل بالتأكيد ألا نشارك في أي منافسة أو نزاع بين القوتين العظميين. لسنا قوة عظمى لكننا لاعب مهم في المنطقة والاقتصاد العالمي”.
وقال جون كيربي المتحدث باسم الأمن القومي في البيت الأبيض اليوم الاثنين إن “الرياض مازالت شريكا إستراتيجيا لواشنطن حتى لو لم يتفق الطرفان على جميع القضايا”. مضيفا أن السعودية والولايات المتحدة تعملان على معالجة التحديات الأمنية المشتركة. ويمتد نشاط الرياض المتزايد إلى السياسات النفطية.
وأعلنت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، التي تقودها السعودية وحلفاؤها بقيادة روسيا والمعروفة باسم أوبك+، تخفيضات أخرى للإنتاج بنحو 1.16 مليون برميل يوميا مما أثار استياء الولايات المتحدة.
وقال مركز الخليج للأبحاث ومقره السعودية، إن تخفيضات أوبك توحي “بقدرة كبار منتجي النفط داخل تحالف أوبك+ على التحرر من الضغوط الغربية – الأميركية بما يعزز من الاستقلالية في صناعة القرار بالشكل الذي تُراعى فيها مصالحهم أولا رغم ما خلفه التخفيض السابق من موجة غضب أميركي”.
وقال جيم كرين الباحث في معهد بيكر بجامعة رايس “نحن في سوق نفط تأتي فيها السعودية أولا. لا يجني المنتجون المزيد من الأرباح فحسب وإنما يتمتعون بقدر أكبر من النفوذ الجيوسياسي عندما تعاني الأسواق من شح”.
إصلاح العلاقات مع إيران
وأبرمت السعودية اتفاقا مهما مع إيران بوساطة الصين ينص على إعادة العلاقات الدبلوماسية بعد سنوات من الخصومة المريرة التي غذت الصراع في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وقالت إليزابيث كيندال الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط بكلية جيرتون في جامعة كامبريدج إن التحول المفاجئ ربما كان مدفوعا بالمواجهة المتصاعدة بين إسرائيل وإيران.
وأضافت “تأمل السعودية على الأرجح في أن تتجنب الوقوع في صراع إقليمي آخر من خلال تحسين العلاقات مع إيران. وبالتالي إزالة خطر هجوم إيراني مباشر آخر على بنيتها التحتية مثل هجمات 2019 التي عطلت عمل أرامكو”. ونفت إيران مسؤوليتها عن هذه الهجمات.
وذكرت وزارة الدفاع السورية أن القوات الإسرائيلية شنت الأحد ضربات جوية على مواقع إيرانية في سوريا. وقالت مصادر مخابرات غربية إن سلسلة من القواعد الجوية في وسط سوريا حيث يتمركز أفراد إيرانيون تعرضت للقصف.
وأثار الهجوم، وهو الأحدث في سلسلة هجمات على منشآت عسكرية إيرانية في سوريا حليفة إيران الوثيقة، شبح مواجهة إقليمية أوسع من شأنها أن تضع حلفاء الولايات المتحدة الخليجيين في مرمى النيران إذا تصاعدت العمليات العسكرية.
وكشفت الضربات الجوية السابقة لقوات جماعة الحوثي اليمنية المدعومة من إيران على مواقع النفط السعودية وعلى مستودع وقود في الإمارات عن حالة الضبابية التي تحيط بالدور الأمني للولايات المتحدة تجاه حلفائها العرب مما دفع الرياض إلى السعي من أجل وقف التصعيد مع طهران وتنويع شركائها الأمنيين.
وقال بلال صعب مدير برنامج الدفاع والأمن في معهد الشرق الأوسط بواشنطن إنه لم يكن هناك أي حوار جاد سواء داخل الحكومة الأميركية أو مع السعوديين بشأن الشروط التي ستهب بموجبها واشنطن للدفاع عن السعودية في حال تعرضها للهجوم.
وأضاف “السعوديون لا يريدون أن يكونوا وسط حرب ضارية بين إيران والولايات المتحدة. هم لا يثقون في أن واشنطن ستحميهم”.
وأثارت العلاقات المتنامية بين الرياض وبكين قلقا أمنيا في واشنطن. التي تقول إن محاولات الصين لفرض نفوذها في أنحاء العالم لن تغير سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط.
وقال شادي حميد من معهد بروكينجز في واشنطن إن وجهة نظر السعودية بأن انفصال الولايات المتحدة عن المنطقة يتزايد ليست خاطئة تماما.
وتابع “قرر ولي العهد تأمين نفسه من الناحيتين، سواء من ناحية الاستسلام للواقع أو كوسيلة لاستفزاز الولايات المتحدة لإيلاء المزيد من الاهتمام لمخاوفها الأمنية”.
وختم بالقول “انزعجت الولايات المتحدة لكنها لم ترد بأي شكل من الأشكال، الأمر الذي شجع بدوره السعودية على مواصلة تعزيز علاقتها مع خصوم أميركا الرئيسيين”.