تصوير ذوات الأرواح.. فتوى طالبان تحيي النقاش الفقهي من جديد
رغم أن حكومة طالبان المتشددة زعمت بأنها تجاوزت مواقفها المتشددة من “التصوير” والتي تبنتها إبان فترة حكمها الأولى بين عامي 1996 و2001، لكن ما أن تولت السلطة مرة أخرى، عادت إلى مواقفها السابقة وعززتها بترسانة من القوانين التي صاغتها وزارة “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”.
وكشف تقرير لموقع “الحرة”، أن الحركة أحيت بذلك جدلا قديما عن حكم تصوير الكائنات الحية، أو “تصوير ذوات الأرواح” كما كان رائجا في الخطاب الإسلاميوي المعاصر، وأججت مرة أخرى سجالا خامدا بين الإسلاميين ظن الجميع أن التاريخ قد تجاوزه.
وخلال سنوات تمردها، استغلت حركة طالبان كل ما يمكن للوسائط البصرية أن تمنحه على صعيد الدعاية والتأثير والاستقطاب، فأخرجت مئات الإصدارات المرئية، ووثقت آلاف العمليات التي نفذها عناصرها، وأنتجت أفلاما تؤرخ لسير زعمائها ومؤسسيها.
وذكر التقرير أن حركة طالبان لم تكن أول من طرح أفكارا متشددة بشأن التصوير، بل سبقها إلى ذلك شيوخ وتيارات ومؤسسات إسلامية، رأت في التصوير بكل أشكاله وتقنياته “إثما كبيرا ومنازعة لله في خصائصه”. فالخلق والتكوين والتصوير -بزعمهم- من خصائص الله وحده، ولا يجوز للعباد التجرؤ على محاكاة صنيع الله برسم لوحة أو التقاط صورة أو حتى تسجيل مقطع مرئي متحرك.
وقد تحول التصوير والتسجيل في عصر الفضائيات إلى صناعة تدر ملايين الدولارات، ودخول الشيوخ والمؤسسات الدينية غمار هذا الاستثمار المربح، – وبعضهم كان من المتشددين سابقا في حظر التصوير – خفتت الأصوات المحرمة للتصوير وتقنياته إلى أن اختفت تماما، وحل محل التحريم منافسة محمومة على حصد المشاهدات، واستقطاب الجماهير، وتجويد تقنيات العرض.
كانت الآراء المتشددة في تحريم التصوير رائجة في السبعينيات والثمانينيات، لكن ابتداءً من أواسط التسعينيات، أخذت حدة هذه الآراء تتراجع وتختفي رويدا رويدا.
وقد حصل مع التصوير ما حصل مع كثير من منتجات الحضارة الحديثة التي قوبلت في أول ظهورها في البلدان الإسلامية بالنكير والتحفظ لكن تم التطبيع معها أخيرا لتصير جزءا من الحياة اليومية، وفقا لما أورده التقرير.
فقد مُنع تدريس اللغات الأجنبية، والفلسفة، كما لم تنفذ بعض النظريات العلمية إلى داخل أسوار مدارس العالم الإسلامي إلا في العهد القريب، لاسيما النظريات التي تفسر أصل الكون أو تشير إلى كروية الأرض وغيرها، بل عانى الشاي كثيرا من فتاوى الحظر قبل أن يجد لنفسه مكانا على موائدنا.
ولاحقا تراجع الشيوخ الذين حرموا التصوير عن بعض مواقفهم المتشددة، بمن فيهم عبد العزيز بن باز نفسه، الذين كان قد حرم تسجيل أفلام الفيديو حتى وإن كانت لأغراض تعليمية أو دعوية، تراجع أخيرا عن آرائه وظهر بنفسه في مقاطع مصورة.
ورغم التباين الذي يصل أحيانا إلى درجة العداء بين التيار السلفي الوهابي وبين حركة طالبان بعقيدتها الديوبندية، فهما يتقاطعان في كثير من المواقف، ومنها الموقف من “تصوير ذوات الأرواح”، غير أن التيار السلفي تجاوز فتاوى المنع والتحريم ولم يعد يتداولها في مؤلفاته بينما ظلت طالبان متمسكة بمواقفها القديمة، والتي كرستها مؤخرا بقانون صادر عن وزارة “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، بعدما أقره زعيم الحركة هيبة الله آخنذ زاده.