سياسة

تصاعد العنف الطائفي في دمشق يدفع العلويين إلى المغادرة


بحلول منتصف ليل السادس من مارس/آذار ووسط موجة عنف طائفي اجتاحت غرب سوريا، ذكر عشرات الشهود أن مسلحين اقتحموا منازل عائلات علوية في العاصمة دمشق واعتقلوا أكثر من عشرين رجلا أعزل.

ومن بين المعتقلين من حي القدم بدمشق مدرس متقاعد وطالب يدرس الهندسة. وفني إصلاح سيارات، وجميعهم من الطائفة العلوية، وهي الأقلية التي ينتمي إليها الرئيس المخلوع بشار الأسد.

وقبل ذلك بساعات، أطلقت مجموعة من العلويين الموالين للأسد تمردا مسلحا في المناطق الساحلية، على بعد نحو 320 كيلومترا إلى الشمال الغربي. وتبع ذلك موجة من عمليات القتل الانتقامية هناك أسفرت عن مقتل المئات من العلويين.

وقال الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع إنه أرسل قواته في اليوم التالي لوقف العنف في منطقة الساحل السوري. لكن بعض المسلحين تدفقوا على المنطقة لمواجهة التمرد دون إذن من وزارة الدفاع.

ووسط مخاوف من اتساع نطاق الصراع الطائفي في جميع أنحاء سوريا، حرصت حكومة الشرع على التأكيد في أعقاب أعمال العنف على أن أعمال القتل كانت محدودة جغرافيا. وعينت لجنة لتقصي الحقائق للتحقيق في “أحداث الساحل”.

غير أن روايات عشرات الشهود في دمشق تشير إلى أن أعمال عنف طائفي وقعت في الأطراف الجنوبية للعاصمة السورية، على بعد بضع كيلومترات من القصر الرئاسي. ولم يتم الإبلاغ من قبل عن تفاصيل المداهمات المزعومة وعمليات الخطف والقتل.

وقال أحد السكان، والذي خطف رجال ملثمون قريبه مهندس الاتصالات إحسان زيدان (48 عاما) في الساعات الأولى من السابع من مارس/آذار “كانوا يطرقون باب أي بيت علوي ويأخذون الرجال من داخله”، وأضاف “أخذوه فقط لأنه علوي”.

وطلب جميع الشهود الذين تحدثوا إلى رويترز عدم نشر أسمائهم خوفا من الانتقام.

ويُعرف حي القدم بأنه موطن للعديد من العائلات العلوية. وتحدث شهود عن خطف ما لا يقل عن 25 رجلا. وقال أقارب وجيران لهم إن ثمانية منهم على الأقل تأكدت وفاتهم لاحقا. وأضافوا أنهم إما شاهدوا صورا للجثث أو عثروا عليها في مكان قريب. ولم يُعرف مصير بقية الرجال.

وقال أربعة من الشهود إن بعض المسلحين الذين قدموا إلى حي القدم عرفوا أنفسهم بأنهم أعضاء في جهاز الأمن العام، وهو جهاز سوري جديد يضم مقاتلين سابقين بقوات المعارضة.

وقال متحدث باسم وزارة الداخلية، التي يعمل تحتها جهاز الأمن العام. إن قوات الأمن لم تستهدف العلويين بشكل مباشر، مضيفا أن القوات تصادر الأسلحة من جميع الطوائف.

وتشكل الطائفة العلوية نحو 10بالمئة من سكان سوريا، وهي متمركزة أساسًا في محافظتي اللاذقية وطرطوس. لكن آلاف العائلات العلوية تقيم منذ عقود في دمشق ومدن أخرى مثل حمص وحماة.

ومن بين الضحايا الذين تأكد مقتلهم في دمشق، أربعة رجال من عائلة واحدة: محسن محمود بدران (77 عامًا)، فادي محسن بدران (41 عامًا). أيهم حسين بدران (40 عامًا)، وهو مصاب بتشوه خلقي في اليد منعه من الخدمة العسكرية، وصهرهم فراس محمد معروف (45 عامًا).

وبحسب أحد أقاربهم، حاولت العائلة البحث عن جثثهم في مستشفى المجتهد وسط دمشق، لكن العاملين رفضوا إدخالهم إلى المشرحة، وأرسلوهم إلى فرع الأمن العام في حي القدم. حيث عُرضت عليهم صور للجثث على هاتف محمول، دون تقديم تفسير لسبب الوفاة، أو تسليمهم الجثث.

وقال القريب “لم نتمكن من استلام الجثث، والموظفون في المستشفى أنكروا وجودها… ولم نعد نجرؤ حتى على السؤال”.

وأكد المتحدث باسم لجنة تقصي الحقائق ياسر الفرحان أن عمل اللجنة حتى الآن اقتصر على مناطق الساحل. لكنه أشار إلى أنه قد يتم لاحقًا توسيع التحقيق ليشمل مناطق أخرى، مثل حي القدم.

وكان الشرع قد أعلن حلّ جميع الفصائل المسلحة، وإدماجها تدريجيًا ضمن هيكل وزارة الدفاع الجديدة. لكن السيطرة الكاملة على هذه المجموعات، التي كثيرًا ما تتنافس في ما بينها، لا تزال غير مكتملة.

وأفاد شاهد آخر بأن أربعة من المعتقلين وُجدوا في بستان قريب مقتولين بطلقات في الرأس. ما يشير إلى تنفيذهم “رمياً بالرصاص”، وفق قوله.

ولا يزال معظم المعتقلين في عداد المفقودين، بينهم الطالب الجامعي علي رستم (25 عامًا). ووالده تميم رستم (65 عامًا)، وهو مدرس رياضيات متقاعد، بحسب اثنين من أقاربهما.

وقالت إحدى قريبات الميكانيكي ربيع عاقل، إن العائلة راجعت مركز الشرطة والجهات الأمنية دون أن تحصل على أي معلومة بشأن مكانه. وأضافت أن الوضع يذكّرها بعمليات الإخفاء القسري التي كانت تتم في عهد الأسد. وذكرت أن اللجنة المكلفة بالتحقيق لم تتواصل معهم.

وصرح الفرحان المتحدث باسم اللجنة في مؤتمر صحفي الثلاثاء أن اللجنة أجرت مقابلات في عدد من بلدات الساحل، لكنه لم يذكر دمشق أو حي القدم.

وبحسب جميع الشهود، فإن السكان من الطائفة العلوية يشعرون بضغط شديد يدفعهم لمغادرة الحي، وقد غادرت بالفعل بعض العائلات.

وقال شاب من الحي إن مسلحين داهموا منزله عدة مرات بعد سقوط الأسد. وطلبوا منه إثبات ملكية المنزل، وأكدوا أن أي علاقة سابقة بعائلة الأسد تُعد “جريمة”.

وقد غادر ذلك الشاب الحي مع عائلته تاركًا المنزل لدى جيران من الطائفة السنية لرعايته.

من جانبها، قالت امرأة ستينية إنها تبحث عن مشترٍ لبيتها. خوفًا على زوجها وأبنائها من المصير ذاته، وأضافت: “بعد ما حصل، كل ما أريده هو مغادرة هذه المنطقة”.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى