سياسة

تسارع خطوات تركيا لاسترضاء مصر


في سعيها لترميم علاقاتها الإقليمية تتسارع خطوات تركيا لاسترضاء مصر لكن على ما يبدو فإن تنظيم الإخوان قد ينسحق جراء هذا التقارب.

ولا يبدو المشهد مماثلا لقرار أنقرة السابق بوقف برامج إخوانية قبل شهرين بحسب مراقبين، إذ إن هذه المرة جاءت بعد تحذيرات واضحة من القاهرة بشأن جدية الإجراءات المتخذة حيال هجوم الإعلام الإخواني على مصر.

وقال دبلوماسي مصري لـ”العين الإخبارية” إن موقف القاهرة واضح وقاطع تجاه الحوار مع أنقرة، وهناك أمور معلنة وليست خفية على أحد تحدد شكل العلاقة بين البلدين الفترة المقبلة، في إشارة إلى ملفي الإخوان وليبيا.

وأضاف الدبلوماسي الذي تحفظ على ذكر هويته، إن بلاده مضت قدما في المشاورات السياسية بعد الإشارات الإيجابية التي صدرت من الجانب التركي وأي خطوة أخرى ستكون مرهونة بإجراءات تصويب المسار، أي مضي تركيا في إجراءات محددة تتصل بما سبق وأعلنه وزير الخارجية المصري في تصريحات سابقة من مراعاة قواعد القانون الدولي بعدم التدخل في الشؤون الداخلية وعدم جعل الأراضي محطة ومنطلقا لعناصر معادية تستهدف شعب دولة أخرى”.

وقال مختصون في الحركات المتطرفة ومنشقون عن الإخوان، في أحاديث منفصلة لـ”العين الإخبارية”، إن موقف القاهرة أجبر أنقرة على اتخاذ مواقف جادة تجاه منظومة الإعلام الإخواني، بعد فترة من المراوغة سواء على صعيد الملف الإخواني أو ملف التدخل في ليبيا، وهو ما رفضته مصر.

وخلال اليومين الماضيين، تساقطت أوراق الأبواق الإعلامية الإخوانية في تركيا تباعا، بدءا بمعتز مطر ثم محمد ناصر، أبرز المذيعين الموالين للتنظيم الإرهابي في تركيا، بعد أن كشفا عن تلقيهما تعليمات من أنقرة بوقف برامجهما على قناتي “الشرق” و”مكملين” الإخوانيتين.

وأعلن المذيع الإخواني الهارب في تركيا محمد ناصر أمس، عبر قناته على موقع “يوتيوب” وقف بث برنامجه على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد ساعات من إعلان المذيع الإخواني معتز مطر وقف بث برنامجه عبر جميع المنصات وذلك بأوامر من سلطات أنقرة.

خريف إخواني

سامح عيد، الخبير في شؤون الإسلام السياسي والجماعات الإرهابية، يقول لـ”العين الإخبارية” إن “التطورات الأخيرة التي شهدها الإعلام الإخواني، من تعليمات وأوامر الوقف التام، تعكس عدة أمور أهمها خضوع أنقرة للمطالب المصرية والتوقف عن المراوغة، بعدما أصبحت شروط القاهرة واضحة للجميع”.

وأضاف عيد: النظام المصري رسالته لأنقرة كانت واضحة، وملخصها أنتم (حكومة تركيا) لم تلتزموا بالاتفاق وبالتالي ستعود العلاقة عما كانت عليه، وهنا اضطرت تركيا للاستسلام والتوقف عن مراوغتها لما لها من مصالح في ليبيا وشرق المتوسط”.

ورأى عيد أن وقف المنصات الإعلامية للإخوان في تركيا كشفت عن حجم الانقسام الداخلي الذي يعتري التنظيم، إثر فضح عناصر الإخوان للقيادات الهاربة إلى تركيا بالفساد المالي والتربح، لافتا في الوقت نفسه إلى أن خريف الإخوان قد وصل إلى محطته الأخيرة في تركيا.

وتابع: مطر وناصر وغيرهما لديهم ملاذات أخرى بديلة، مثل الولايات المتحدة وكندا، لأنهم يعيشون أيامهم الأخيرة في تركيا، وهم في الأساس يبحثون عن مكاسب مادية، وبالتالي لن يجدوا حرجا في الذهاب إلى أي دولة أخرى طالما يبثون سمومهم استنادا إلى المظلومية المعتادة ومناهضة النظام المصري.

أما بشأن العلاقة المستقبلية بين القاهرة وأنقرة، يرى “عيد” أنها ستشهد انفراجة في حال استمرت تركيا في الالتزام بشروط القاهرة، والتي تتطلب مزيدا من الإجراءات تتجاوز مسألة تقييد الفضائيات إلى وقف أي نشاط عدائي من أراضيها ضد مصر.

انقسام داخلي

عماد عبدالحافظ، الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، يقول لـ”العين الإخبارية” إن جماعة الإخوان تعيش أزمة تختلف بشكل كبير عن كل أزماتها السابقة؛ حيث هناك عدد من العوامل أسهمت في تعميق تلك الأزمة وتعقيدها، ومن بين هذه العوامل هي حالة الانقسام الداخلي الذي شطر الجماعة نصفين وأصابها بحالة من الضعف البالغ”.

وأضاف:  زاد من حجم هذه الأزمة وتعميقها ذلك التقارب غير المتوقع من قِبل الجماعة بين تركيا ومصر، فهو لا شك كان أمرًا مفاجئًا للجماعة تسبب في إرباكها، والآن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة التركية تجاه الإعلام الإخواني.

ويرى “عبدالحافظ” أن هذه الإجراءات ستستمر وسيكون هناك العديد من الضوابط التي سوف يتم فرضها على التنظيم، مستبعدا في الوقت نفسه تسليم أنقرة مطلوبين من الجماعة لمصر.

ومتفقا مع عيد، يقول الباحث المصري إن “التقارب المصري التركي يجعل قيادات الجماعة تبحث عن ملجأ آخر في دول أخرى تحسبا لأي تطورت تضر بها، لافتا إلى أنه هذا يتزامن مع حالة من عدم الثقة لدى الحكومة التركية تجاه جماعة الإخوان، حيث أصبحت الحكومة التركية ترى أن الجماعة تمثل عبئًا عليها نتيجة تخبطها وتدني مستوى أدائها كفاعل سياسي.

 

وتابع: لذلك فضلت أنقرة أن تتخلى عن دعمها للجماعة في مقابل التقارب مع الدولة المصرية الأمر الذي يمثل لها فائدة أكبر، ويترتب على ذلك تأزم وضع الإخوان بصورة أكبر من ذي قبل وسيجعل وضعها في تركيا أصعب بكثير في المستقبل.

نهاية محتومة

الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية عمرو فاروق، يقول لـ”العين الإخبارية” إن الإخوان في تركيا يواجهون نهاية محتومة، حيث لم يعد لهم مساحة بعد التقارب المصري التركي، وهم يدركون تماما أن المشهد تغير.

وربط “فاروق” نهاية الإخوان في تركيا، بلقاءات كشف عن انعقادها بين قيادات من التنظيم الدولي وإيران، لافتا إلى أنها ستكون الملاذ الأخير لهم بالإضافة إلى كندا، بعد أن أغلقت القاهرة أمام الإخوان الممرات الآمنة كماليزيا.

وأوضح فاروق أن هناك عددا من إخوان تركيا فروا إلى كندا كلجوء سياسي بشكل مكثف خلال آخر 6 أشهر، مشيرا إلى أن هناك عناصر إخوانية بدأت تسيطر على مناصب قيادية بكندا.

وبشأن جدية أنقرة في الالتزام بمطالب القاهرة يعتقد فاروق أن تركيا يمكنها أن تضحي بجماعة الإخوان لكن ربما تتشبث بوضعها على الساحة الليبية الأمر الذي قد يؤثر على التجاوب المصري.

وبعد سلسلة من التخبطات على الساحة الإقليمية أدت لتردي علاقات أنقرة من جيرانها ودول عربية كبرى والاتحاد الأوروبي تسعى تركيا لتخفيف الضغط وترميم التصدعات في سياستها الخارجية بعد أن باتت شبه معزولة.

واستهلت تركيا محاولات إصلاح دبلوماسيتها بتبني خطاب مهادن للقاهرة لكن الحكومة المصرية أعلنت في حينه أنها تنتظر أكثر من الكلمات.

واستقبلت القاهرة في مايو/أيار الماضي وفدا تركيا رفيعا في جولة قالت إنها استكشافية مؤكدة مجددا أنها لن ترضى بأقل من الأفعال لتطبيع العلاقات من تركيا.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى