سياسة

تساؤلات عن أسباب ودلالات اختيار توقيت الانتخابات الرئاسية بالجزائر


إعلان الرئاسة الجزائرية للتوقيت الذي ستجرى فيه الانتخابات الرئاسية وهو الرابع من يوليو المقبل، أثار عدة استفهامات عن الأسباب والدلالات وراء اختيار هذا التاريخ بالضبط، والذي يتزامن مع الذكرى الـ57 لنيل الجزائر استقلالها عن فرنسا في 5 يوليو 1962.

ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي، تساءل الجزائريون كثيرا حول التوقيت هل هو مصادفة فرضته مدة الفترة الانتقالية التي حددت دستورياً بـ90 يوماً وتنتهي مع نهاية يوليو؟ أم هي رسالة تحمل في طياتها دلالات سياسية وأبعاد تاريخية موجهة لفرنسا؟ أو هي مجرد محاولة من السلطات الجزائرية لاستمالة الجزائريين بأهم يوم في تاريخهم؟.

وكان قد أُجري استفتاء في الجزائر في 1 يوليو 1962 حول تقرير المصير واستقلال الجزائريين عن فرنسا، وتم طُرح السؤال عليهم: هل ترغب في أن تكون الجزائر دولة مستقلة تتعاون مع فرنسا وفق الشروط المنصوص عليها في إعلانات 19 مارس 1962؟، وقد التصويت بـنعم لاستقلال الجزائر لأكثر من 90% من الجزائريين.

وفي ذلك الوقت، اشترطت الحكومة الجزائرية المؤقتة تأخير الإعلان عن استقلال الجزائر من 3 يوليو 1962 إلى 5 يوليو في العام نفسه.

وقد كان الهدف وراء ذلك أن تاريخ 5 يوليو كان شؤماً على الجزائريين، الذي كان مرتبطاً باحتلال فرنسا للجزائر في 5 يوليو 1830.

وفي نفس السياق، أرادت الحكومة الجزائرية المؤقتة محو تلك الذكرى بذكرى جديدة كانت نتاج تضحيات الجزائريين لنيل استقلالهم بعد 132 سنة من الاحتلال الفرنسي واستشهاد أكثر من 8 ملايين جزائري، من بينهم مليون ونصف المليون شهيد خلال الثورة التحريرية من 1954 إلى 1962.

هل سيكون استقلالاً ثانياً؟

معظم ردود فعل الجزائريين والمراقبين ذكرت على أن التوقيت الذي اختارته الرئاسة الجزائرية لتنظيم سادس انتخابات رئاسية تعددية يحمل في طياته رسائل مشفرة لفرنسا، خاصة وأن الإعلان عن نتائج الانتخابات سيكون يوم 5 يوليو المصادف لعيد استقلال الجزائر.

وفي تصريحات للعين الإخبارية، اعتبر محللون أن رئاسيات هذا العام ستختلف تماما عن سابقاتها، فهي تأتي في سياق ثورة شعبية أطاحت بحكم بوتفليقة الذي استمر 20 سنة، ومطالبة برحيل جميع رموز نظامه وبالتغيير الجذري.

بينما كانت ردود الجزائريين في مظاهراتهم على المواقف الفرنسية التي علقت على الوضع السياسي في الجزائر بـالرفض، موجهين عدة رسائل إلى باريس من خلال شعاراتهم ولافتاتهم، أهمها القضية عائلية ولا للوصاية الفرنسية وعملاءها في الداخل.

وفي تصريح للعين الإخبارية، قال الدكتور حسين قادري المحلل السياسي إن فرنسا اليوم في فوهة البركان والاتهام، خاصة مع ولاء بعض الأطراف الداخلية لها، ونعرف أن لباريس برنامجها وأجندتها في الجزائر، كما أن الشعارات المرفوعة في الحراك تتناقض تماماً مع المصالح الفرنسية، خاصة عندما دخل وعي الشعب في الحديث عن صفقات الغاز وبقية الصفقات السرية والأموال المهربة، ومن هنا استشعرت باريس الخطر، ولو وصل الحراك إلى الحكم بهذه الشعارات فهذا يعني أن نهاية المصالح الفرنسية.

وقبل بدء الحراك الشعبي، كان قائد أركان الجيش الجزائري أحمد قايد صالح قد وصف الاستعمار الفرنسي بـالإرهابي، وتعتبر المرة الأولى التي يستعمل فيها مسؤول جزائري هذه الكلمة في خطاباته.

في حين أن الكلمة التي ألقاها قائد أركان الجيش الجزائري يوم الأربعاء، من محافظة وهران والتي تزامنت مع إعلان موعد إجراء الانتخابات الرئاسية، قد دفعت الكثير من المتابعين إلى تأكيد أن توقيت الاستحقاق الرئاسي يحمل رسالتين إلى فرنسا وأتباعها في الداخل وإلى الحراك الشعبي مفادها أن الرئيس الجزائري القادم لن يأتي تحت أي تأثير فرنسي مهما كان نوعه.

ووفق ما ذكرته وسائل إعلام جزائرية، فقد لمّح قائد أركان الجيش الجزائري إلى فرنسا من دون ذكر اسمها، خاصة عندما تحدث عن أطراف أجنبية تحاول ضرب استقرار الجزائر انطلاقاً من خلفياتها التاريخية.

واتهم أيضا قائد صالح في خطابه يوم 30 مارس الماضي، عناصر لم يذكر اسمها بأنها تقود مؤامرة هدفها الإساءة إلى الجيش الجزائري، بعد عقدها اجتماعاً سرياً من طرف أشخاص معروفين سيتم الكشف عن هوياتهم في الوقت المناسب حسب ما قاله.

كما أضاف المسؤول العسكري الجزائري أن بعض الأطراف ذات النوايا السيئة، تعمل على إعداد مخطّط يهدف إلى ضرب مصداقية الجيش الوطني الشعبي والالتفاف على المطالب المشروعة للشعب.

ونشرت بعض وسائل الإعلام الجزائرية بعد ذلك قائمة تضم أسماء الشخصيات التي قصدها قايد صلاح في خطابه، والتي عقدت الاجتماع السري، وعلى رأسهم سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس الجزائري المستقيل، ورئيس جهاز المخابرات الأسبق محمد مدين ورئيس جهاز المخابرات السابق بشير طرطاق وعناصر من المخابرات الفرنسية، بينما نفت السفارة الفرنسية بالجزائر هذه الأخبار بعد أسبوع من تداولها في الإعلام المحلي.

ومنذ أن بدأ الحراك الشعبي في الجزائر، كانت فرنسا من بين أكثر الدول التي علقت على تطورات الأوضاع السياسية في مستعمرتها السابقة، حيث عبر عنها عدة مسؤولين فرنسيين من بينهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزير خارجيته جون إيف لودريان، وقوبلت في كل مرة باستهجان شعبي جزائري.

كما ذكرت مختلف وسائل الإعلام الفرنسية أن باريس تخشى من السيناريو الأسوأ وهو ارتدادات أي فوضى في الجزائر على أمنها، معربة عن خشية فرنسا من هجرة آلاف الجزائريين هرباً من تكرر سيناريوهات حروب أهلية في المنطقة.

في حين أن الذين يعرفون طبيعة العلاقات الفرنسية – الجزائرية يؤكدون أن فرنسا باتت تخشى فعلا مستقبل مصالحها ونفوذها في الجزائر خاصة بعد الرفض الشعبي الذي أظهره الجزائريون لما سموه إنهاء الوصاية الفرنسية، وعن محاولاتها التأثير على المشهد السياسي الجزائري بشكل يخدم مصالحها.

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى