تركيا وقطر والمحاولات المشبوهة للتغلغل في أفريقيا
في الوقت الذي كان يبدو فيه أن غطرسة تركيا المدعومة ماليا من قطر في البحر الأبيض المتوسط وشمال أفريقيا بدأت تتبدد بعد اللقاءات الدولية لصالح السلام في ليبيا، تبين أن الأمر ليس كذلك، لأن تركيا وبدعم مالي قطري تحاول التأثير وبسط النفوذ في أفريقيا بأي ثمن.
ومن المسلّم به أن قطر وحكامها لا يجيدون نسج العلاقات الدبلوماسية، ربما بسبب أساليبهم ومسارهم وأشكال التدخل السافر في شؤون الدول الأخرى. وعندما يواجه حاكم قطر صعوبات في إقامة العلاقات، فإن أول ما يتبادر إلى ذهنه هو اللجوء إلى تركيا، وبعد أن اختبأ لمدة عامين وراء ظل أردوغان، يحاول الآن الظهور وإن على استحياء في المشهد الأفريقي.
فقبل شهر كانت قطر تغازل الرئيس التونسي، لأنها رأت الضغط الدولي المتزايد على أردوغان بعد تحركاته في شرق البحر الأبيض المتوسط. وسبق لوزير الدفاع القطري، خالد العطية، أن التقى في ليبيا نظيره التركي، خلوصي أكار. وبعد ذلك اللقاء، أظهر الطرفان رغبتهما في إنشاء مركز تدريب عسكري مشترك بين ميليشيات الوفاق والأتراك بتمويل قطري القطريين وتعزيز التواجد التركي بقاعدتين عسكريتين في مصراتة والوطية، وتقع الأخيرة على بعد 40 كيلومتراً فقط من الحدود التونسية.
وعرضت الدوحة على تونس تمويل مشاريع تنموية، بالتزامن مع فقدان حركة النهضة المتحالفة مع قطر لنفوذها. ودخلت الخطوط الجوية القطرية على الخط أيضاً من خلال عرضها رعاية فريق كرة قدم تونسي.
وفي خضم كل تلك الأحداث، ما كان ينبغي للرئيس التونسي أن يقبل الإطراء القطري، لأن تونس لا زالت مستهدفة من خلال محاولات التسلل الإرهابي إلى البلاد التي جاءت في نفس تلك الفترة.
وفي نفس التوقيت تقريبا، أشارت وسائل الإعلام إلى تورّط قطر، من خلال أساليبها الملتوية، في التأثير في عملية هروب كبيرة من سجن العاصمة الصومالية مقديشو.
ووفقاً لوسائل الإعلام الصومالية، كان المهاجمون، الموجّهون من قِبل المخابرات القطرية، يعتزمون إخراج سجناء مهمّين من حركة الشباب ولم يترددوا في مهاجمة السجن. ووجهت وسائل الإعلام أصابع الاتهام إلى فهد ياسين، الصحفي السابق بقناة الجزيرة ورئيس المخابرات الصومالية الحالي، بصفته مهندس هذه العملية.
وفي الجزء الغربي من القارة السمراء، وتحديدا في السنغال، أرسل وزير الدولة السابق، كريم واد، نجل الرئيس السابق الذي يعيش في المنفى في الدوحة منذ عام 2016 بعد أن أخرجته قطر بطريقة مشبوهة من السجن، أرسل للسلطات الصحية السنغالية 5000 جهاز تشخيص سريع لكشف كوفيد 19. ومن الصعب جداً تأكيد ما إذا كانت هناك نية مزدوجة وراء تلك الهِبة، لأن بعض وسائل الإعلام السنغالية روّجت بعد ذلك لمعلومات (أو دعاية) تشيد فيها بخصال الوزير السابق المسجون بسبب الاستيلاء على أموال المواطنين قبل بضع سنوات.
تواجه قطر صعوبة بالغة في إقامة علاقات دبلوماسية في الساحل الغربي لأفريقيا. وللقيام بذلك، تلجأ إلى تركيا أو إلى المستشارين الخارجيين أو إلى وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، الذي زار خلال هذا العام مالي وغينيا بيساو والسنغال من بين دول أخرى وقبل ذلك النيجر وغينيا الاستوائية والجزائر وتوغو.
ويظهر اسم السنغال مرة أخرى ضمن قائمة الدول التي تنوي تركيا وقطر التلاعب فيها. وبشكل مثير للدهشة، نشر الموقع الإلكتروني الموريتاني “الرؤية” معلومة مفادها أن مصطفى ولد الشافعي، المستشار السابق لرئيس بوركينا فاسو والذي يشغل حالياً نفس المنصب مع رئيس رواندا، بول كاغامي، قد تحدث مع رئيس السنغال، ماكي صال، ليبلغه بوجود خطة لاختطافه من تنفيذ جهاز استخبارات أجنبي مجاور. وبهذه الطريقة، تمكّن مصطفى الشافعي من التقرّب من الرئيس السنغالي في داكار. وبعد ذلك، أخبر الشافعي أجهزة المخابرات الأخرى أن رئيس السنغال اتصل به لأن لديه معلومات تتعلق بمحاولة اختطافه.
لكن ما لم تذكره أي وسيلة إعلامية هو أن مصطفى الشافعي هو صديق مقرّب جداً من حاكم قطر، وهو يعمل منذ فترة طويلة كمستشار خارجي له. فهل لدى رئيس السنغال ما يدعو للقلق؟ إذا كانت الشائعات صحيحة، فيجب أن يقلقوا جميعاً.
نقلا عن العين الإخبارية