تركيا وإسرائيل: “مساعدات إنسانية” تكشف عن علاقات دافئة
لم يحمل الخبر، الذي كشف عنه مسؤول تركي إلى وكالة بلومبيرغ الأمريكية، رفض الكشف عن هويته ثمة مفاجآت جمة، فيما يتصل بموافقة الحكومة التركية على تزويد إسرائيل بمجموعة من المعدات الطبية، وذلك في إطار مساعدتها على تفشي فيروس كورونا المستجد، بالرغم من حالة التوتر والقلق الظاهري في العلاقات بين البلدين، منذ العام 2010، عندما داهمت قوات كوماندوس إسرائيلية سفناً تركية كانت تحمل مساعدات إلى قطاع غزة، مما أسفر عن مقتل 10 مدنيين أتراك.
وقد نجم عن ذلك الأمر، موجة من التصريحات الكلامية بين الطرفين، التي لم تستطع أن تخفي المياه الدافئة التي تجري تحت الألسنة، مهما احتدت الملاسنات بينهما. ففي العام الماضي، صرح مبعوث إسرائيل لدى الأمم المتحدة أنّ تركيا “مركز إقليمي للإرهاب” ووصف مواقف أردوغان الإقليمية بأنّها تعمل على “زعزعة استقرار المنطقة من خلال دعم المنظمات الإرهابية”.
ومن جانبه، رد مبعوث تركيا لدى الأمم المتحدة، فريدون سينيرلي أوغلو، بأنّ إسرائيل دولة خطفتها حكومة ذات عقلية إرهابية”.
اعتراف وصداقة بعمر النكبة
بيد أنّ العلاقات الإستراتيجية والتحالف بين تل أبيب وأنقرة، الذي يمتد منذ عقود، حين اعترفت الأخيرة في العام 1949 بالدولة العبرية، وقد سبقت في ذلك إيران، التي تأخرت باعترافها حتى العام 1950، يعكس ترابطاً متيناً في مجالات سياسية وعسكرية واقتصادية ودبلوماسية، خاصة، وأنّ إسرائيل التي اعتمدت عليها أنقرة في تحديث الجيش التركي، تعد أكبر شريك عسكري ومورد أسلحة إلى حليفتها، كما أنّ أنقرة، تعد ثاني دولة بعد الولايات المتحدة بها أكبر مصانع أسلحة للجيش الإسرائيلي.
وبحسب تقرير صادر عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، في العام 2017، فثمة 20 دولة، تقدم الدعم والتبرعات لدولة فلسطين، لا يتواجد بينها اسم تركيا أو قطر أو إيران.
كما أنّ تل أبيب تعد واحدة من أهم خمسة أسواق، تستثمر فيها أنقرة بضائعها، وذلك بحسب الأرقام الرسمية في تركيا؛ إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين الدولتين نحو 6 مليارات دولار، في العام 2019، بحسب أرقام وزارة التجارة التركية. وقد ارتفع حجم التبادل التجاري بينهما إلى ما يقدر بنحو 14 بالمئة في الأعوام الأخيرة، منذ وصول أردوغان للحكم.
حيل السياسة وأوهام العداء
وعليه، فإنّ الخلاف المؤقت والظاهري الذي يلعب على حباله الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بين الحين والآخر، يكشف عن انتهازيته وعقليته الذرائعية؛ إذ تكاد لا تصمد حقائق هذه الخلافات أمام ما تكشف عنه الأرقام والوثائق المتصلة بحجم المبادلات التجارية، وكذا، التنسيق العسكري والمناورات المشتركة بينهما، وغيرها من الحقائق الأخرى الميدانية والسياسية، مما يرجح الدور الوظيفي الذي يمارسه لجهة الدعاية السياسية، من جهة، وللتغطية على أزماته المحلية، وأدواره الأقليمية، من جهة أخرى، ومن بينها العداء لإسرائيل والدفاع عن فلسطين.
وهو ما عبر عنه، الباحث في الاقتصاد السياسي التركي، تيمور كوران، والذي غرد عبر حسابه الرسمي، في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” بأنه: “سوف تفاجئ هذه الخطوة الذين يتابعون الخطاب العدائي المتبادل بين الزعماء الأتراك والإسرائيليين على مدى الأعوام الـ 15 الماضية، لكن البلدين ما زالا ملتزمين باتفاقيات تجارية ضخمة بين الجانبين، وهناك دوافع لتحسين العلاقات”.
أوضحت وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية، بأنّ الحكومة التركية وافقت على بيع المعدات الطبية لإسرائيل لـ”أسباب إنسانية”، حسبما كشف لها مسؤول تركي، لم تفصح عن هويته، إذ كشف عن أنّ ثلاث طائرات هبطت، في 9 نيسان (أبريل) الجاري، في قاعدة إنغرليك الجوية، جنوب تركيا، والتي تتمركز فيها قوات حلف الناتو، بهدف نقل الشحنات إلى تل أبيب، دون أن يقطع المصدر، بحقيقة ما إذا كانت تلك الطائرات الإسرائيلية، عادت محملة بالمعدات الطبية التركية، أم أنها وصلت إلى تل أبيب عن طريق آخر.
وتحتوي الشحنات، بحسب المسؤول التركي على أقنعة للوجه، وملابس واقية، وقفازات للوقاية من الفيروس. بيد أنّ الوكالة الأمريكية، أردفت، في سياق الخبر ذاته، بأنّه من المبكر الحديث عن فرص هذه الخطوة التي وصفتها بـ”غير المتوقعة”، للتضامن مع إسرائيل في مكافحة الوباء، في تعزيز وتحسن العلاقات المتوترة بين البلدين واللذين كانا حليفين إستراتيجيين.
الإعلام وتعمية الحقائق
تفاوت التعاطي الإعلامي التركي مع تلك الحقائق التي انفردت بها الوكالة الأمريكية، حيث لم تنشر وكالة “الأناضول” الرسمية معلومات حول الأمر، كما لم تشر إلى أية معلومات تتصل بالموضوع، سواء بالتأكيد أو النفي، بينما قامت قناة “تي آرتي”، وهي منصة إعلامية حكومية تركية، ببث المعلومات التي وردت في تقرير “بلومبيرغ”، لكن في نسختها الإنجليزية، وذلك في سياق تقرير جاء بعنوان: “المساعدات التركية لدول العالم لمحاربة كوفيد- 19”.
ورجحت صحيفة “سوزجو” المعارضة، بأنّ ثمة تطورات غير متوقعة حدثت في العلاقات بين أنقرة وتل أبيب بعدما شهدت توترات في الأعوام الماضية، نجم عنها قرار أنقرة بإرسال معدات صحية، وكمامات طبية إلى إسرائيل للأسباب التي زعمتها الحكومة التركية.
الأمر ذاته، حدث في وسائل الإعلامية الإسرائيلية، حيث لم يحدث تعليق على مستوى الإعلام الرسمي، بينما اقتصر الأمر في بعض الصحف المستقلة ووسائل الإعلام العبرية في تل أبيب؛ ومن بينها، جريدة “إسرائيل هيوم” والتي وصفت موقف الرئيس التركي أردوغان المهم”، ورجحت فرص تحسن العلاقات بين وأنقرة وتل أبيب.
وبسؤاله عن السياق الذي يمكن من خلاله فهم وتأويل الموقف التركي تجاه إسرائيل، من الناحية السياسية، يجيب الباحث والكاتب الصحافي المتخصص في الشأن التركي، باز علي بكاري: “بكل تأكيد الحكومة التركية في خطابها الموجه للمسلمين وللعرب تقول وتدعي عكس ما تفعل، فهي تحاول كسب عاطفة الناس عبر خطابات فارغة حيال خصومتها مع إسرائيل، وهذا ليس بجديد، ففي ذروة التصعيد الكلامي التركي تجاه إسرائيل تجري الصفقات الاقتصادية بين البلدين بمليارات الدولارات؛ إذ إنّ خصومة تركيا مع إسرائيل تقتصر على الخطاب الإعلامي لا أكثر”.
ويردف بكاري في حديثه لـ حفريات، بأنّه قبل أيام، نشرت وكالة الأناضول الرسمية في تركيا، صورة لوزير المالية التركي مع مسؤول إسرائيلي، ووضعت عنواناً زائفاً للخبر بالصفحة العربية، على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” بأنّ “تركيا تدرس مع الجانب الإسرائيلي كيفية دعم الفلسطينيين”، بينما الخبر ذاته مع نفس الصورة، وضع له عنوان آخر في النسخة الإنجليزية يشير إلى أنّ “الطرفين يدرسان تحسين العلاقات الاقتصادية”.
وإلى ذلك، يؤكد بكاري، أنه ليس في الصراع مع إسرائيل فقط تكذب تركيا، ففي أثناء معركة حلب، على سبيل المثال، بين المعارضة المسلحة والنظام السوري، تصاعدت حدة التصريحات التركية تجاه إيران، وفي ذات الفترة وقعت أنقرة مع طهران صفقة بناء منطقة صناعية تقوم ببنائها شركة تركية، بكلفة تجاوزت أربعة مليارات دولار.
وعليه، فلا غرابة بأن تقدم تركيا اليوم مساعدات لإسرائيل، بحسب المصدر ذاته، مع أنّ وكالة الأناضول حاولت تفنيد الخبر وجاءت بعذر أقبح من ذنب، حيث قالت إنها صفقة تجارية بين تجار إسرائيليين وأتراك، بينما تركيا ذاتها هي التي قرصنت المعدات الطبية التي كانت متوجهة لإسبانيا لتستخدم في حرب مدريد أمام فيروس كورونا المستجد، وتركيا هي أيضاً التي يموت يومياً العشرات من مواطنيها بذات الفيروس التاجي، وتسجل أسباب الوفاة على أنّها نتيجة أمراض أخرى.
نقلا عن حفريات