سياسة

تركيا وأوروبا.. الصراع على شرق المتوسط


التصريحات الأخيرة للرئيسين التركي والفرنسي أخذت بعداً تصعيدياً خطيراً، خصوصاً بعدما طالب إيمانويل ماكرون نظيره التركي رجب طيب أردوغان بتوضيح نيات بلاده، معتبراً أن تركيا لم تعد شريكة للأوروبيين في منطقة الشرق الأوسط. كما شدد ماكرون على رغبته في عدم تصعيد التوتر بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، وذلك في إطار النزاع القائم في المتوسط بسبب تمسك الطرف التركي بحقه في التنقيب عن الغاز، وهو ما تفرضه أثينا.

كما أن أوروبا بقيادة فرنسا تريد استعادة نفوذها في الشرق الأوسط والبحر المتوسط، وذلك كان نتيجة الفراغ الذي تركته أمريكا، والمخاوف التي ترافق تحركاتهم السياسية من روسيا وتركيا، بما أنهم لا يريدون لأحد أن يملأ هذا الفراغ غيرهم، علماً بأنَّ تركيا تعلم أنه لا عمق لها على الصعيدين العربي والإسلامي، وبالطبع سيكون هدف أوروبا هو النفوذ على المنطقة العربية وشرق المتوسط، عبر الخونة من “الإخوان المسلمين”، حتى تتمكن من البقاء بكيانها الحالي، ويكون لها بعض القوة التفاوضية مع أوروبا وروسيا.

من هنا، تكون ضرورة العودة إلى المعايير الموضوعية والواقعية، والتاريخية أيضاً، عندما اعتبر أحد المؤرخين البارزين وهو رينيه غروسيه أنَّ تاريخ المنطقة كله طغت عليه منذ القِدم المجابهة بين الغرب، وريث الثقافة الهيلينية، وبين الشرق الآسيوي، ويشكل الإسلام بالنسبة إليه الثورة الكبرى لآسيا التي جسدها المد العربي لفتوحات القرن السابع، فهي قلَّصت بشكل مباغت حدود أوروبا.

ومع ذلك، أكثر ما يثير الملاحظة بين كل هذه الضبابية والانتقادات والتوترات في شرق المتوسط، قيادة أمريكا للجميع، والتي تلعب على عدم انتصار أي طرف فيها، علماً بأنها ترى نفسها هي من توزع الأدوار. والشاهد فيما سبق أن ذكرناه، تصريح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بأن الولايات المتحدة لا تزال “قلقة للغاية” من تحركات تركيا في منطقة شرق البحر المتوسط، داعياً للتوصل إلى حل دبلوماسي للأزمة، بعدما تصاعدت حدة التوتر في المنطقة، بسبب مطالبات متبادلة بين تركيا من جهة واليونان وقبرص من جهة أخرى بأحقية كل طرف في المناطق البحرية التي يعتقد أنها غنية بالغاز الطبيعي.

ومهما اكتسبت الأحداث أهمية في الواقع، فإنَّ المعنيين أو المشاركين فيها يدركون النهايات، وتطورها يعتمد على قدرات الخصم وصمت المجتمع الدولي، والاكتفاء بتحديد الخسائر للأطراف المتنازعة. ولكن دور أمريكا لم يلغَ بعد في حل النزاعات إذا أرادت تطبيق قرارات القانون الدولي والمبادئ الإنسانية، وخصوصاً إذا كانت تعمل في الإطار الأوسع لتطور الجغرافيا العالمية والسياسية والثقافية في سياق العقود الأخيرة. وتغاضت كثيراً عن دور أردوغان في سوريا وليبيا، وتركته يصول ويجول وينشر خطاباته العنترية والحشد العسكري في شرق المتوسط، متحدياً أطراف الصراع، وأجرى مناورات عسكرية، ولكن بعد وقوف فرنسا والاتحاد الأوروبي ضده وعززت اليونان جيشها بـ18 مقاتلة رافال و4 فرقاطات من فرنسا، بدأ دفع التحركات الدولية يكبر للتصدي لأنقرة بمجموعة من الخطوات، بشراء طائرات مقاتلة من فرنسا، بعدها خفت ضوء الخطابات الأردوغانية وانكسر السلم الخشبي الذي كان يقف عليه الرئيس التركي يهدد ويتوعد، وفي النهاية سحب سفينة الأبحاث وعاد أدراجه.

وهكذا، تشرح المعطيات أفول الهيمنة التركية بحضرة فرنسا والاتحاد الأوروبي، فالقوات المسلحة الفرنسية ستنشر عدداً من الطائرات والفرقاطات بشرق البحر المتوسط، في إطار خطة لدعم وجودها العسكري في المنطقة، وذلك وسط مؤشرات على توتر مع تركيا، ووقف عمليات التنقيب عن النفط والغاز في مياه متنازع عليها بالمنطقة، بين تركيا واليونان.

وها نحن عايشنا هذا التوتر والنزاع، وتم ردع العدوان التركي بجهود دولية من الدول الكبرى: أميركا، وفرنسا، والاتحاد الأوروبي، ولكن عجز المجتمع الدولي عن إنقاذ الدول العربية: سوريا، والعراق، وليبيا، واليمن، من اختراقات تركيا وإيران، فلماذا لا يتم تفعيل اتفاقيات الدفاع العربي المشترك، للوقوف في وجه مشروعات تدمير ونهب خيرات الأمة العربية، من قبل هؤلاء الطامعين الذين استغلوا الانهيارات العربية المتتالية للهيمنة على البلاد العربية؟

لقد تم تقسيم النفوذ بالشرق الأوسط، ودخل مرحلة معقدة. وتراجع أردوغان الأخير عن مواجهة الأوروبيين يعتبر أسلوباً سياسياً مكشوفاً وتقليدياً، يعرف باسم الانحناء للعاصفة، وهو أقرب للتكتيك، فهو ما زال ينظر لدول مثل ليبيا وسوريا على أنها مجرد مطمع له، لتمثل أوراقاً تفاوضية له مع الأوروبيين؛ مبرزاً للأذهان الأمجاد الاستعمارية العثمانية التالفة، ومن يقدمون له جسر العبور هم “الإخوان المسلمون” خونة الأمة، تماماً كما تفعل المليشيات الشيعية العربية؛ حيث تمثل جسر عبور إيران لنهب ثروات العرب، ولذلك لا بد من تحرك عربي فاعل؛ خصوصاً في دول شمال أفريقيا، لتقف ضد هذه المشروعات التخريبية التدميرية قبل فوات الأوان.

نقلا عن الشرق الأوسط 

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى