سياسة

تركيا.. اتهامات فساد تضع رئيس بلدية إسطنبولية خلف القضبان


تصاعدت حدة المواجهة بين الحكومة التركية وقوى المعارضة في الأسابيع الأخيرة، في ظل حملة اعتقالات واسعة طالت رؤساء بلديات وشخصيات بارزة من حزب الشعب الجمهوري، أبرز أحزاب المعارضة، في ما اعتبره مراقبون تصعيدًا ممنهجًا يسعى من خلاله الرئيس رجب طيب أردوغان إلى إضعاف خصومه السياسيين قبيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
وفي أحدث تطورات هذه الحملة، اعتقلت الشرطة التركية يوم الجمعة 40 شخصًا بينهم إينان جوناي، رئيس بلدية منطقة بيوغلو في وسط إسطنبول، وذلك ضمن تحقيقات مرتبطة بالفساد، بحسب ما نقلته قناة “تي.آر.تي خبر” الرسمية.
وباعتقال جوناي، يرتفع عدد رؤساء البلديات المعارضين الذين طالتهم الحملة إلى 16 شخصًا، في حين تجاوز عدد المعتقلين الإجمالي منذ بدء التحركات القانونية ضد المعارضة 500 شخصا خلال أقل من عام، وفقاً لتقارير غير رسمية.
واحدة من أبرز القضايا الجارية تتعلق برئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، الذي يُعد المنافس الأبرز لأردوغان، وتردد اسمه في استطلاعات الرأي كأقوى المرشحين المحتملين للانتخابات الرئاسية المقبلة.
ويواجه إمام أوغلو تحقيقات في قضايا فساد مزعومة واتهامات بالتواطؤ مع “جماعات إرهابية”، وهي تهم ينفيها بالكامل، فيما يعتبرها حزب الشعب الجمهوري “جزءاً من حملة منظمة لتشويه سمعة المعارضة وإقصاء شخصياتها المؤثرة قبل الاستحقاق الانتخابي القادم”.
ويرى محللون أن الحكومة التركية تتعامل مع ملفات الفساد كـ”شمّاعة سياسية” تستخدم لتبرير تحركاتها ضد قيادات المعارضة التي اكتسبت زخماً جماهيرياً في السنوات الأخيرة، خاصة مع تصاعد الغضب الشعبي جراء الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي تمر بها البلاد، وارتفاع نسب التضخم والبطالة وتراجع قيمة الليرة.
ويؤكد مراقبون أن تركيز السلطات على بلديات المعارضة، لا سيما في المدن الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة وإزمير، يشير إلى رغبة واضحة في تحجيم نفوذ هذه الإدارات المحلية التي باتت تشكل تهديداً جدياً لحزب العدالة والتنمية الحاكم في الانتخابات المقبلة.
وفي تطور لافت، أعلنت أوزلام جيرجي أوغلو، رئيسة بلدية أيدين (غرب تركيا) والمنتخبة عن حزب الشعب الجمهوري، انضمامها إلى حزب العدالة والتنمية الحاكم، مشيرة إلى وجود “خلافات مع إدارة الحزب”.
لكن زعيم الحزب المعارض أوزغور أوزيل ذهب أبعد من ذلك، حين صرح بأن جيرجي أوغلو تعرضت لضغوط مباشرة من مسؤولين في الحكومة، تمثلت في تهديدها بفتح تحقيقات قانونية ضدها واعتقالها إن لم تنضم إلى الحزب الحاكم. رغم أن أوزيل لم يقدم أدلة ملموسة، إلا أن تصريحاته أثارت جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية التركية.
في المقابل، نفى نائب رئيس حزب العدالة والتنمية حياتي يازجي هذه الاتهامات، واصفًا تصريحات أوزيل بأنها “عارية عن الصحة تماماً”، كما نفت جيرجي أوغلو بدورها تعرضها لأي ابتزاز سياسي.
وتشير التطورات الأخيرة إلى بيئة سياسية أكثر توتراً في تركيا، مع اقتراب موعد الانتخابات التي يُتوقع أن تكون من بين الأكثر تنافسية في تاريخ البلاد الحديث.
ويقول مراقبون إن أردوغان يسعى، عبر هذه الحملات، إلى تقويض القاعدة الشعبية المتنامية للمعارضة ومنع ظهور مرشح قوي قادر على كسر هيمنة الحزب الحاكم، خاصة بعد أن أظهرت الانتخابات البلدية السابقة قدرة المعارضة على انتزاع المدن الكبرى، مما شكل ضربة استراتيجية لحزب العدالة والتنمية.
وبينما تصر الحكومة على أن هذه التحقيقات تجري في إطار قانوني نزيه يهدف إلى مكافحة الفساد، تصف المعارضة ما يجري بأنه “تصفية سياسية مغطاة بالقانون”، وتدعو إلى رقابة دولية وضمانات للعدالة قبل الدخول في أي استحقاق انتخابي.
وفي ظل تصاعد الضغوط على البلديات المعارضة، تبدو الانتخابات الرئاسية المقبلة على المحك، ليس فقط من حيث المنافسة السياسية، بل في ما يتعلق بمستقبل الديمقراطية التركية واستقلالية مؤسساتها.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى