تحقيق دولي يكشف قنوات غسل أموال بين إيران وكوريا الشمالية
في مؤشر جديد على مساعي طهران للتحايل على منظومة العقوبات الدولية المفروضة عليها، كشفت تقارير صادرة من كوريا الجنوبية عن وجود مسارات مالية غير تقليدية تربط بين إيران وكوريا الشمالية، تعتمد على العملات الرقمية وشبكات غسل أموال معقدة، في محاولة لتجاوز القيود الأميركية التي أثقلت كاهل الاقتصاد الإيراني خلال السنوات الأخيرة بسبب ملفه النووي.
وبحسب معطيات نشرتها وسائل إعلام كورية جنوبية استناداً إلى تحقيقات شركات متخصصة في تتبع حركة الأصول الرقمية، فإن تعاملات مالية جرت بين جهات مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني وشبكات مالية تديرها عناصر كورية شمالية، باستخدام تقنيات “البلوكتشين” والعملات المشفرة، بعيداً عن الأنظمة المصرفية التقليدية الخاضعة للرقابة.
وتشير هذه التحقيقات إلى أن جزءاً من الأموال جرى تحويله خلال العام الجاري عبر محافظ رقمية يديرها شخص كوري شمالي يُشتبه بضلوعه في إدارة شبكة واسعة لغسل الأموال، قبل أن تصل إلى محافظ يُعتقد أنها مرتبطة بمؤسسات إيرانية خاضعة للعقوبات. ويرى خبراء أن هذه العمليات تمثل نموذجاً واضحاً لاستخدام العملات الرقمية كأداة للالتفاف على القيود المالية، سواء بغرض تحويل الأموال إلى الدولار، أو تمويل صفقات نفط، أو تسديد نفقات خارجية يصعب تمريرها عبر القنوات الرسمية.
وتأتي هذه التطورات في وقت يواجه فيه الاقتصاد الإيراني ضغوطاً متزايدة نتيجة استمرار العقوبات الأميركية المرتبطة بالبرنامج النووي، والتي حدّت بشكل كبير من قدرة طهران على تصدير النفط، وخفّضت احتياطياتها من العملات الصعبة، وأثّرت على قيمة الريال، ما دفع السلطات الإيرانية إلى البحث عن بدائل مالية غير خاضعة للرقابة الغربية.
ويرى محللون أن التقارب المالي بين إيران وكوريا الشمالية ليس جديداً، لكنه شهد في السنوات الأخيرة تطوراً ملحوظاً مع توسع استخدام الأصول الرقمية، مستفيداً من كون البلدين يخضعان لعقوبات أميركية صارمة، ويشتركان في الحاجة إلى إنشاء اقتصاد “ظل” عابر للحدود. وتُعد العملات المشفرة، بما توفره من قدر من السرية وصعوبة التتبع، أداة مثالية لهذا الغرض.
البلدان يشتركان في الحاجة إلى إنشاء اقتصاد ‘ظل’ عابر للحدود
وبحسب التقرير، فإن الشبكة الكورية الشمالية التي أدارت هذه التحويلات تعتمد على وسطاء في دول عدة، من بينها الصين، حيث يتم تمرير الأموال عبر مراحل متعددة من “التنظيف” المالي، قبل إيداعها في حسابات شركات واجهة مسجلة في مراكز مالية آسيوية. وتُستخدم هذه العائدات لاحقاً في شراء سلع ومعدات، بعضها ذو طابع مزدوج الاستخدام، أو في تمويل أنشطة محظورة.
ويشير مراقبون إلى أن لجوء إيران إلى مثل هذه القنوات يعكس حجم المأزق المالي الذي تواجهه، إذ لم تفلح محاولات التفاوض حول الملف النووي في رفع العقوبات، فيما أدت القيود المصرفية إلى تقليص قدرة البلاد على جذب الاستثمارات الأجنبية، وارتفاع معدلات التضخم، وتراجع القوة الشرائية للمواطنين.
وفي هذا السياق، حذرت جهات رقابية دولية من أن تداخل الشبكات المالية الإيرانية والكورية الشمالية يمثل تحدياً متزايداً للنظام المالي العالمي، خاصة مع فشل بعض المؤسسات المصرفية الكبرى في رصد معاملات مشبوهة مرت عبر النظام المالي الدولي، ما كشف عن ثغرات خطيرة في آليات الامتثال والرقابة.
وتشير تقديرات مجموعات رقابية متخصصة إلى أن شبكات “المصرفيين الظل” المرتبطة بكوريا الشمالية نجحت خلال السنوات الماضية في غسل مليارات الدولارات من العملات الرقمية، وهو ما يثير مخاوف من توسع استخدام هذه القنوات من قبل دول خاضعة للعقوبات، وفي مقدمتها إيران.
وفي ظل استمرار العقوبات الأميركية، يرى خبراء أن طهران ستواصل البحث عن مسارات مالية بديلة، مستندة إلى شراكات مع دول تعيش ظروفاً مشابهة، إلا أن اتساع هذه الأنشطة يزيد من احتمالات تشديد الرقابة الدولية، ويفتح الباب أمام جولات جديدة من العقوبات، ما يفاقم التحديات الاقتصادية والمالية التي تواجهها إيران في مرحلة بالغة الحساسية.







