رغم اللوبي اليهودي.. تجاذبات واشنطن وتل أبيب
تزخر الإدارة الأمريكية الجديدة بالعديد من الشخصيات اليهودية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، شخصيات يهودية أمريكية.
حيث ستلعب هذه الشخصيات الدور الأبرز في توجيه السياسات، لا سيما أنتوني بلينكن، وزير الخارجية، وهو يهودي الديانة، وهو ابن أحد الناجين من “المحرقة اليهودية” والذي يؤمن بمصالح إسرائيل، كما يؤمن بأن وطناً آمناً لليهود في إسرائيل هو أفضل ضمان لعدم تعرض الشعب اليهودي للتهديد أبداً مرة أخرى، ومايركاس أول يهودي في وزارة الأمن الداخلي، التي أُنشئت بعد أحداث سبتمبر 2001، كذلك تولت الأمريكية من أصل أفريقي ليندا توماس غرينفيلد، منصب مساعدة وزير الخارجية لشؤون أفريقيا، وسفيرة لدى الأمم المتحدة، كما أصبحت جانيت يلين البولندية الأصل أول امرأة في تاريخ أمريكا تتولى وزارة الخزانة.
أما جايك سوليفان، الذي تولى منصب مستشار الأمن القومي الأمريكي، فسبقه يهوديان في المنصب؛ منهما تشارلز كوبرمان، الذي خلف جون بولتون وهنري بيرغر في عهد الرئيس بيل كلينتون، وعين بايدن أفريل هينز مديرة للوكالة الوطنية للاستخبارات، وفيما يتعلق بنائبة بايدن، كمالا هاريس، فهي متزوجة باليهودي دوغ إمهوف، هذه عينة قد تطول، خاصة أن هناك مساعدين ووكلاء في المواقع الأدنى والوسيطة.
ولعلنا نتذكر أن الناخبين اليهود في الولايات المتحدة صوّتوا بأغلبية ساحقة وصلت إلى 77% لصالح بايدن، مقابل 21% لترامب، وفي السباق نحو مقاعد مجلس الشيوخ والنواب، أيّد غالبية المصوّتين اليهود مرشحين ديمقراطيين بنسبة 78% مقابل 21% للجمهوريين، كما احتلت الشخصيات اليهودية المرتبة الثانية في إدارة بايدن من حيث العدد والنفوذ، بعد الكاثوليك، الذين يحتلون وزارات الدفاع والداخلية والصحة والزراعة والتجارة والعمل والطاقة، كما ظهر عدد من الهندوس في الإدارة، من بينهم نيرا تاندين “مدير مكتب الإدارة والميزانية”، والجراح العام فيفك ورثي، إضافة إلى نائبة الرئيس هاريس.
ورغم ذلك كله، فإن هناك تخوفا إسرائيليا من إدارة الرئيس بايدن، لأن التعيينات اليهودية السابقة في عهد ترامب كانت في الأساس من اليهود المحافظين، ومعظمهم من الأرثوذكس، ولديهم لغة مشتركة مع اليمين الإسرائيلي، أما اليوم، فالأمر مختلف مع الرئيس بايدن، فشخصيات مثل كلاين وبلينكن ويلين ومايوركاس، مثل الغالبية العظمى من يهود أمريكا، هم ليبراليون قد يتحفظون على بعض مواقف الحكومة الإسرائيلية حتى فيما يخص الدين والدولة، وستصاحب ذلك فجوات في النظرة للعالم حتى في القضايا السياسية، بدليل تحفظ المسؤولين الإسرائيليين على تعيين جاك سوليفان مستشارا للأمن القومي، لتوجهاته المعروفة تجاه الملف النووي الإيراني، الذي كان أحد مهندسي الاتفاق النووي، وشارك في الاتصالات السرية مع إيران وسلطنة عمان عام 2012، التي مهّدت للاتفاق لاحقا، كما أن بلينكن كان مشاركا في مفاوضات خطة العمل المشتركة مع إيران، وكان عضوا في المفاوضات التي أدارها وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري عام 2014.
من المرجح إذن، أن تعمل إسرائيل في سياق تكثيف الاتصالات مع الإدارة الأمريكية لتحجيم جميع التداعيات على أمنها ومصالحها، سواء على مستوى العلاقات مع الجانب الفلسطيني، أو على مستوى الإقليم، حيث التهديدات الإيرانية، ومستقبل اتفاقيات السلام مع الدول العربية، وهو ما برز في تكثيف الحملة الإعلامية والدبلوماسية في واشنطن، والتي قادها السفير الإسرائيلي في واشنطن رون دريمر ومنظمة إيباك، بالتأكيد على الخطر الإيراني، ومحاولة نقل الصورة للرأي العام الأمريكي، والتأكيد على تداعيات الخطر الإيراني على استقرار العلاقات الأمريكية الإسرائيلية من جانب، والعلاقات الأوروبية الأمريكية من جانب آخر.
كما قامت إسرائيل بتوزيع الأدوار داخليا، وهو ما برز في الحكومة الإسرائيلية ذاتها، فرئيس الوزراء نتنياهو وعدد من الشخصيات الدبلوماسية وعلى رأسهم رون دريمر، لديهم التوجه المباشر والصارم نحو عدم عودة الاتفاق النووي أصلا والتمسك برفضه، فيما يقوم وزيرا الخارجية والدفاع ورئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي بالتأكيد على إمكانية الاستمرار في الاتفاق النووي، مع وضع شروط واضحة لا تضر بالأمن القومي الإسرائيلي.
ومن المقرر أن تعد الحكومة الإسرائيلية للانفتاح على الإدارة الأمريكية؛ إذ تخطط لزيارة رئيس الوزراء نتنياهو لواشنطن، ومقابلة الرئيس بايدن، وتدشين أسس العلاقات مع الإدارة الجديدة، خاصة أن الاتصالات الراهنة تتم في سياق دبلوماسي وأمني، وعند مستوى محدد “زيارة رئيس الموساد يوسي كوهين لواشنطن/زيارة رئيس هيئة الأركان الأمريكية مارك ميلي لتل أبيب”، وانفتاح الاتصالات الاستخباراتية بين الجانبين بعد الإعلان عن تولي ويليام بيرنز رئاسة الاستخبارات المركزية.
وكذلك على مستوى رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي مائير بن شبات، ورئيس مجلس الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان، وهو ما سيدعم ركائز العلاقات المشتركة لمعرفته جيدا بالمسؤولين الإسرائيليين، كما يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو للحصول على دعم الرئيس بايدن في الانتخابات المقبلة، مثلما فعل الرئيس السابق ترامب، فنتنياهو يتخوّف من تزايد الفجوة بين الإدارة الأمريكية وإسرائيل ليس في الملف الإيراني، وإنما في عدم دعمه شخصيا في المعركة الانتخابية المقبلة، أو عدم تحمسه لاستكمال اتفاقيات السلام مع بعض الدول العربية، رغم تأكيد الإدارة على استمرار حرصها على تنمية وتطوير العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول التي أبرمت اتفاقات السلام.
في كل الأحوال، تتوقع الحكومة الإسرائيلية إشكاليات حقيقية في تعاملاتها مع الإدارة الأمريكية، وتتأهب للتعامل معها مسبقا عبر اتصالات سياسية واستخباراتية، خاصة أن الحكومة الإسرائيلية تقيّم المشهد الراهن انطلاقا من أن الإدارة الأمريكية ستنتظر نتائج الانتخابات الإسرائيلية في مارس المقبل، ونتائج الانتخابات الفلسطينية -إن تمت- وفقا للاستحقاق السياسي المعلن من قبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إضافة لنتائج الانتخابات الإيرانية، التي ستُجرى في منتصف العام، ووقتها قد تبلور الإدارة الأمريكية رؤيتها الشاملة ليس تجاه الطرف الإسرائيلي وحساباته وتحركاته فقط، وإنما تجاه الإقليم بكل تطوراته الراهنة.