سياسة

بولندا والدرع المثقوب .. حلم العسكرة يواجه كابوس التحديات


ما بين تهديدات روسيا والتوترات عبر الأطلسي مع الولايات المتحدة، تسعى الدول الأوروبية لتعزيز جيوشها.

في إطار تعزيز جيشها لمواجهة روسيا، تنفق بولندا ببذخ على الدبابات والطائرات المقاتلة والدفاعات الجوية والمسيرات والصواريخ والغواصات والذخيرة والبنادق.

وتعد بولندا أكبر دولة أوروبية إنفاقا على الدفاع كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، إذ تهدف إلى إنفاق 186.6 مليار زلوتي (44 مليار يورو) على جيشها هذا العام.

لكن المستفيد الأكبر من هذا الإنفاق هو شركات المقاولات الدفاعية في الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، وليس شركات الأسلحة البولندية وذلك وفقا لما ذكرته مجلة “بوليتيكو” الأمريكية.

وقال وزير الدفاع فلاديسلاف كوسينياك-كاميش في أواخر الشهر الماضي “سيكون التسريع ضروريًا، بل وأكثر من ذلك، وفي فترة زمنية أقصر”.

لكن الصناعة البولندية المحلية لا تستوعب سوى جزء ضئيل من هذه الأموال فمعظم المشتريات الضخمة يتم استيرادها لأن الشركات المحلية إما لا تستطيع إنتاج هذا الكم أو أنها لم تطور التكنولوجيا الأساسية اللازمة وهو ما أصبح مشكلة سياسية.

وفي معرض كيلسي للأسلحة في سبتمبر/أيلول، قال رئيس الوزراء دونالد توسك: “لن تكون بولندا بعد الآن مجرد صندوق ضخم للشركات الأجنبية والدول الحليفة عندما يتعلق الأمر بإنفاق الأموال على التسلح والدفاع والبنية التحتية الأمنية”، مُؤكدًا بذلك على ضرورة بناء صناعة أسلحة قادرة على التصدير.

ومنذ 2019، أنفقت بولندا ما يقارب 150 مليار يورو على قواتها المسلحة مما ساهم في إبرام بعضٍ من أكبر صفقات الأسلحة في أوروبا.

وأبرزهذه الصفقات شراء ما يصل إلى 1000 دبابة من طراز “كيه-2 بلاك بانثر” الكورية، وأكثر من 350 مدفع هاوتزر من طراز “كيه-9 ثاندر”، و48 طائرة مقاتلة من طراز “إف ايه-50 فايتينغ إيغل” من كوريا الجنوبية.

بالإضافة إلى شراء بطاريات دفاع جوي من طراز باتريوت، و300 دبابة من طراز “إم 1 ايه 1 أبرامز”، و32 طائرة مقاتلة من طراز “إف-35” وطلبية ضخمة من الولايات المتحدة تضم 96 مروحية هجومية من طراز أباتشي فضلاً عن غواصات من طراز “ساب إيه 62” من السويد.

ويرجع هذا الإنفاق الهائل إلى ضرورة الاستجابة السريعة للتهديد الروسي فبعدما سلمت وارسو جزءًا كبيرًا من ترسانتها التي تعود إلى الحقبة السوفياتية إلى أوكرانيا، شرعت في إعادة بناء قواتها باستخدام أنظمة جاهزة، مع إعطاء الأولوية للتسليم السريع على حساب إعادة بناء الإنتاج المحلي.

وقال تقرير صادر عن معهد بولاسكي البولندي للأبحاث الدفاعية “في بعض المجالات، سيستغرق الوصول إلى مستوى التقدم الصناعي الذي تشهده الدول الرائدة الأخرى سنوات، إن لم يكن عقودًا، وسيكلف بالتأكيد مليارات الدولارات في البحث والتطوير”.

هذا الأمر يدفع قطاع الدفاع البولندي للبحث عن مجالات متخصصة يمكنه المنافسة فيها، ومنها مجال المسيرات حيث تقول وارسو إن العناصر الأولى لحاجز وطني مضاد للمسيرات يمكن نشرها “في غضون أشهر”، باستخدام رادارات ومركبات وقاذفات بولندية الصنع مرتبطة بشبكات الدفاع الجوي القائمة.

وقد ازدادت الحاجة الملحة مع تزايد وتيرة نشاط المسيرات على طول الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي (الناتو).

وقال أركاديوس باك، نائب رئيس مجموعة “بولسكا غروبا زبروجينيوفا”، وهي تكتل حكومي يمثل ركيزة صناعة الدفاع البولندية، “قد يكون هذا أول حاجز حقيقي مضاد للمسيرات في أوروبا، قائم على التضاريس”.

لكن في معظم المجالات الأخرى، لا تزال الصناعة البولندية بعيدة كل البعد عن اللحاق بالركب حيث تعود الأسباب إلى عقود مضت.

فخلال حقبة حلف وارسو، قسم الاتحاد السوفياتي الإنتاج العسكري بين دوله التابعة، ما حال دون تطويرها لصناعات أسلحة مستقلة وفي تلك الفترة تخصصت بولندا في الدروع والرادارات والأسلحة الصغيرة، لكنها لم تصنع أنظمة دفع أو ذخائر متطورة أو إلكترونيات عالية التقنية.

وبعد عام 1989 وانهيار الاتحاد السوفياتي تقلصت ميزانيات الدفاع وتوقف التحديث ولا يزال يعاني قطاع الدفاع من آثار التدهور وتعمل العديد من مصانع مجموعة “بولسكا غروبا زبروجينيوفا” في مبان قديمة تتعطل بها أنظمة التدفئة وآلاتها قديمة.

ورغم الاستثمار الضخم في تحسين مصانع مثل “بومار-لابيندي”، التي تحدث دبابات القتال ومركبات الإنقاذ التي تعود إلى الحقبة السوفياتية إلا أن ذلك لا يوسع الطاقة الإنتاجية ولا يدخل تقنيات جديدة، بل يتيح الإنتاج فقط.

وتستطيع بولندا إنتاج المركبات والرادارات وقاذفات الصواريخ قصيرة المدى، لكنها لا تزال تفتقر إلى العمق الصناعي اللازم لتصميم أو بناء صواريخ دفاع جوي بعيدة المدى، أو ذخائر متطورة، أو دبابات قتال رئيسية حديثة.

وتطمح بولندا إلى إنتاج مئات الآلاف من قذائف عيار 155 ملم سنويًا لكنها حتى وقت قريب، لم تكن قادرة على إنتاج سوى بضع عشرات الآلاف.

وتتحرك المنصات الأكثر تعقيدًا ببطء أكبر فقد يستغرق بناء نظام دفاع جوي محمول على الكتف من طراز بيورون حوالي 18 شهرًا، بينما تستغرق مركبة بورسوك القتالية للمشاة حوالي عامين.

ويشكل هذا تناقضًا كبيرًا مع دول مثل فرنسا وإيطاليا وألمانيا والسويد والمملكة المتحدة، التي تمتلك صناعات دفاعية متكاملة قادرة على إنتاج مجموعة واسعة جدًا من أنظمة الأسلحة، من الغواصات إلى الطائرات المقاتلة النفاثة، والدبابات، والصواريخ، والرصاص، والبنادق.

وقد رسخت الشركات البولندية الخاصة، مكانتها في سوق المسيرات، لكنها لا تزال لاعباً صغيراً على المستوى العالمي.

ودائما ما تحدثت وارسو عن إنفاق نصف ميزانيتها الدفاعية على الأقل محلياً، إلا أن شراء الطائرات أو أنظمة الصواريخ الأجنبية يخل بهذا التوازن.

ومع ذلك، يحرز برنامج المسيرات تقدماً أسرع لأنه يعتمد على معدات تصنعها بولندا بالفعل، ويعتمد على أنظمة أجنبية لتوفير الباقي.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى