بغداد تطالب طهران بعدم الزج بالعراق في حربها مع إسرائيل

في خضمّ التوتر المتصاعد في المنطقة على خلفية المواجهة العسكرية المفتوحة بين إيران وإسرائيل، كشف مسؤول أمني عراقي رفيع المستوى، السبت، أن الحكومة العراقية طلبت رسمياً من الجانب الإيراني عدم استهداف المصالح الأميركية داخل الأراضي العراقية. ويأتي هذا الطلب في محاولة من بغداد لاحتواء تداعيات الصراع المتصاعد، والحيلولة دون تحوّل العراق إلى ساحة مواجهة غير مباشرة بين الطرفين.
وقال المسؤول العراقي، في تصريح لوكالة “فرانس برس”، طالباً عدم الكشف عن اسمه، إن “العراق طلب رسمياً من إيران عدم استهداف المصالح الأميركية في أراضيه، ووعدنا الإيرانيون خيرا”، مؤكداً أن “إيران أبدت تفهماً للمطلب العراقي”.
وتسعى حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، المدعومة من تحالف سياسي شيعي يضم أطرافاً موالية لطهران، إلى الموازنة بين علاقتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، التي ما زالت تلعب دوراً محورياً في الأمن والاقتصاد العراقي، وبين العلاقة الوثيقة التي تربطها بجارتها الشرقية إيران، التي تتمتع بنفوذ عسكري وسياسي واسع في البلاد عبر حلفائها المحليين.
وتزامن هذا التحرك الدبلوماسي مع تحذيرات أطلقتها إيران في الأيام الأخيرة، وقبل بدء التصعيد العسكري الحالي مع إسرائيل، من أنها قد تستهدف القواعد الأميركية المنتشرة في الشرق الأوسط، في حال انزلاق الأمور إلى مواجهة أوسع تُعزى إلى تعثّر المفاوضات النووية مع واشنطن، أو أي دعم عسكري مباشر لإسرائيل.
وتنتشر القوات الأميركية في العراق منذ عام 2014 ضمن إطار التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، ويبلغ عددها حالياً نحو 2500 جندي. كما تحتفظ واشنطن بحوالي 900 جندي في سوريا المجاورة. وعلى الرغم من تراجع التهديد الذي شكّله التنظيم الإرهابي، إلا أن الوجود الأميركي في المنطقة لا يزال يثير جدلاً واسعاً، خصوصاً في الأوساط السياسية والفصائل المسلحة المقرّبة من إيران.
ومنذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة “حماس” في غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، تبنّت عدة فصائل عراقية مسلحة، على غرار “كتائب حزب الله” و”عصائب أهل الحق”، عمليات استهدفت قواعد تضم جنوداً أميركيين في كل من العراق وسوريا، باستخدام صواريخ وطائرات مسيّرة. وتُعد هذه الهجمات جزءاً من سياسة “الرد المحسوب” التي تتبعها هذه الفصائل للضغط على واشنطن وإظهار دعمها للمحور الإيراني.
ومع تصاعد المخاوف الأمنية، أعلنت الولايات المتحدة الأربعاء سحب عدد من موظفي سفارتها في بغداد، واقتصار التمثيل الدبلوماسي على الموظفين “الأساسيين” فقط، تحسباً لأي تصعيد محتمل قد يهدد حياة الطاقم الدبلوماسي أو أمن المنشآت الأميركية.
وفي السياق ذاته، طالبت بعض الفصائل العراقية المسلحة الجمعة بانسحاب كامل للقوات الأميركية من البلاد، معتبرة أن وجودها لم يعد مبرراً بعد تقلص التهديدات الإرهابية. وحذّرت “كتائب حزب الله” من اندلاع “مزيد من الحروب في المنطقة”، محملة الولايات المتحدة مسؤولية التصعيد، بسبب دعمها المستمر لإسرائيل في مواجهاتها الأخيرة مع إيران.
الجميع بمن فيهم الفصائل متعاون مع الحكومة في هذه المرحلة
ورغم اللهجة التصعيدية لبعض الفصائل، إلا أن المسؤول الأمني العراقي أشار في حديثه إلى أن الوضع تحت السيطرة، وأن هناك تنسيقاً مع كافة الأطراف الداخلية، بما في ذلك الفصائل المسلحة، لتجنيب العراق الدخول في دائرة الصراع الإقليمي.
وقال “الجميع، بمن فيهم الفصائل، متعاون مع الحكومة في هذه المرحلة لتفادي زجّ العراق في حرب لا ناقة له فيها ولا جمل”.
ويؤكد مراقبون أن العراق يسير على خيط رفيع في تعامله مع الأزمة الراهنة، إذ يواجه تحدياً معقداً في الحفاظ على سيادته واستقراره الداخلي، دون المساس بتحالفاته الخارجية أو إثارة غضب أي من القوى الفاعلة على أراضيه.
وفي ظل استمرار التصعيد بين إيران وإسرائيل، يبقى العراق واحداً من أكثر الدول عرضة للتأثر بتبعات أي انفجار إقليمي، ما يجعل موقفه الدبلوماسي الحالي محاولة ضرورية للتموضع الحذر في عاصفة تزداد تعقيداً.