بعد تعليق دام شهوراً.. الغابون تستعيد مكانها في الاتحاد الأفريقي

قرار الاتحاد الأفريقي برفع العقوبات عن الغابون يعكس تحولا نحو أولوية الاستقرار على الشرعية الشكلية في التعامل مع الانقلابات العسكرية.
هكذا يرى خبراء سياسيون أفارقة وأوروبيون تحدثت معهم للوقوف على دلالات رفع العقوبات عن الغابون.
واعتبر هؤلاء أن قرار الاتحاد الأفريقي برفع العقوبات عن الغابون يمثل تتويجا لمسار انتقال سياسي محسوب، وضع الاستقرار الوطني فوق الاعتبارات الشكلية للشرعية، في سابقة قد تعيد صياغة معايير التعامل مع التغييرات السياسية القادمة من رحم الانقلابات العسكرية.
-
انتخابات الغابون المقبلة.. هل تضع حداً للفترة الانتقالية العسكرية؟
-
الاتحاد الأفريقي وتحديات العودة: قراءة في تأثير قرار رفع تعليق عضوية الغابون
فبعد أقل من عامين على الإطاحة بنظام علي بونغو في انقلاب عسكري قاده الجنرال بريس كلوتير أوليغي نغيما في أغسطس/آب 2023، تعود الغابون رسميا إلى حضن الاتحاد الأفريقي.
فيوم أمس الأربعاء، أعلن مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، رفع التجميد عن عضوية الغابون، مؤكدًا أن “المرحلة الانتقالية كانت ناجحة بشكل عام”. لا سيما بعد فوز نغيما في الانتخابات الرئاسية بنسبة قاربت 95%، في اقتراع وصفه مراقبون بـ”المنظم والهادئ” رغم الجدل الدولي حول شروط المنافسة فيه.
منطق الاستقرار أولا
يقول الدكتور إيمانويل نكوانغا، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ماكيريري الأوغندية إن “القرار لا يتعلق فقط بالغابون. بل بتبدل منهجي في كيفية قراءة الاتحاد الأفريقي للعلاقات بين الشرعية والمؤسسات”.
ويضيف: “ما نشهده هو تراجع تدريجي لمنطق العقوبات العمياء. مقابل منطق جديد يعطي الأولوية للاستقرار والسيادة الوطنية، ولو في ظل سلطات انتقالية ذات خلفية عسكرية”.
ويتابع نكوانغا: “الجيش الغابوني لم يختطف الحكم لنفسه، بل أعاد ترتيبه وفق آليات انتخابية جديدة، حافظ من خلالها على استمراريته الرمزية ضمن مؤسسات مدنية تمثيلية. وهذا بحد ذاته نجاح يُحسب للمجلس العسكري”.
-
بتهمة غسيل الأموال.. زوجة رئيس الغابون المخلوع أمام المحكمة
-
هل أنقذ انقلاب الجيش الغابون من حمام دم؟
براغماتية المصالح
وفي الاتجاه ذاته، تؤكد الباحثة أديل نجوما أن الاتحاد لم يتخلَّ عن مبادئه، بل أعاد قراءتها في ضوء الواقعية السياسية.
وفي حديث رأت أن “ما حدث في الغابون هو اعتراف ضمني بأن العقوبات وحدها لا تصنع الديمقراطية، وأن الاندماج التدريجي أفضل من العزلة العقيمة”.
وقالت: “ما نراه اليوم هو نموذج لدولة عرفت انقلابا، ثم أعادت إنتاج نفسها في شكل انتخابي. ما يضعنا أمام تسوية سياسية مقبولة، تُجنب البلاد الهزات الداخلية وتُعيدها إلى النظام الإقليمي”.
وأضافت “الاتحاد الأفريقي بعث برسالة واضحة مفادها أن العودة الشكلية للمؤسسات – وإن كانت تحت مظلة السلطة العسكرية – تكفي، مرحليا، لرفع التجميد وإعادة الاعتراف. ما يفتح الباب أمام الدول الأخرى السائرة على هذا الطريق لتسريع خطواتها”.
-
انقلاب في الغابون.. تغييرات جذرية تلوح في الأفق خلال مرحلة انتقالية مجهولة
-
من هي زوجة رئيس الغابون الجديد؟
بين الرمز والدلالة
وجاءت العودة الرسمية للغابون قبل أيام من تنصيب نغيما رئيسا في 3 مايو/أيار الجاري، في ملعب أنغونجي بالعاصمة ليبرفيل، بحضور قادة أفارقة ودوليين من بينهم الرئيسان السنغالي والرواندي. إضافة إلى ممثلين عن منظمة الفرنكوفونية والبنك الأفريقي للتنمية.، مما يعزز شرعيته.
ووفقا للدستور الجديد الذي تم إقراره خلال المرحلة الانتقالية. سيُمنح الرئيس المنتخب صلاحيات موسعة تشمل إلغاء منصب رئيس الوزراء واستحداث منصب نائب للرئيس، في خطوة تهدف – بحسب السلطات – إلى “تعزيز فعالية القرار التنفيذي” و”تجاوز البيروقراطية المعطلة التي كانت إحدى سمات النظام السابق”.
من المجلس العسكري لشرعية تنفيذية.. معادلة مقبولة دوليًا؟
النجاح الذي حققته السلطة الانتقالية في الغابون في فرض مسار سياسي جديد. لم يكن فقط محليا، بل تجاوب معه المحيط الأفريقي والدولي أيضا.
فالرسالة التي وجهتها ليبرفيل هي أن “الجيش لا يريد الحكم. بل الاستقرار”، وهو ما نجح في ترجمته على الأرض عبر التزام زمني واضح، ودستور معدل، وانتخابات مرنة أفضت إلى نتيجة محسومة.
وترى الباحثة نجوما أن عودة الغابون إلى الاتحاد الأفريقي ستعزز دور نغيما كفاعل إقليمي جديد يحظى بالشرعية المؤسسية. كما ستعيد التوازن الجيوسياسي لدول وسط القارة التي شهدت بدورها موجات متتالية من الانقلابات.