إميل أمين هل التاريخ مؤامرة؟ تنقسم الجماعة المفكرة إلى قسمين، أحدهما يزعم أنها سلسلة متصلة من التآمر المستمر والمستقر، والآخر يرى عدم وجود الطرح بالمرة حول العالم. والشاهد أن كليهما يثير الغبار والدخان من حول الواقع العالمي المعاش، سيما وأن العلاقات الدولية مليئة بالصراعات والقوى، وبمصالح تمارس فعلها بالنار، وتندفع إلى سباق الحياة بأقصى سرعة يسمح بها العقل والعلم، وهي تجرب فرض إرادتها بكل الوسائل علنا وسرا، إقناعا وقسرا، حربا مكشوفة وتربصا في الظلام، ومن هنا فإن التاريخ يصعب جزافا اعتباره مؤامرة مستمرة، لكنه في اللحظة نفسها لا يمكن اعتباره فردوسا للإطهار. ما الذي يستدعي هذا الحديث مرة جديدة، وفي هذه الأوقات التي تتصاعد فيها الأصولية وتعيد الشوفينيات والقومية سيرتها سيئة الذكر؟ يتصل الأمر اتصالا وثيقا ولصيقا ببريطانيا وعلاقتها بجماعات الإسلام السياسي، وليس سرا نذيعه أن بريطانيا ولأسباب متباينة هي التي دعمت حسن البنا في الإسماعيلية على ضفاف قناة السويس بالمال لقيام ونشوء الجماعة التي ستضحى سببا رئيسا في الإرهاب العالمي. قبل أيام كانت بريطانيا تعلن عن أنها ستفرج عن أنجم تشودري البريطاني من جذور باكستانية، والمعروف بواعظ الكراهية، والداعي الشباب البريطاني للالتحاق بداعش، وهو المؤسس المشارك للمنظمة الإسلامية المعروفة باسم المهاجرين، تلك التي نظمت عدة مظاهرات معادية للغرب، من بينها مسيرة تظاهرية محظورة في لندن أدت إلى استدعائه للمحكمة. تقول الأجهزة الأمنية البريطانية إن خمسة عشر عملا إرهابيا على الأقل كان لتشودري علاقة ما به، ولهذا حُكم عليه بالسجن عام 2016 بخمس سنوات وستة أشهر بتهمة دعمه لداعش . السؤال المحير، والذي يجعل المرء يقف متسائلا هل بريطانيا جزء من مؤامرة الإسلام السياسي الإخواني تحديدا الذي بات يهدد أمن وأمان العالم وأوروبا عامة والداخل البريطاني بنوع خاص؟ يدعونا الجواب إلى الدخول في دائرة مهلكة من التفكير، ذلك أنه إذا اعتبرنا بريطانيا فردوسا للإطهار، فلماذا تقوم بإطلاق سراح رجل تأثيره مقيت ومثير للغاية، وذلك بحسب وصف روي ستيورات مسؤول شؤون السجون في بريطانيا؟. يقتضي مشهد تشودري ومحاولة فهمه البحث عميقا عن جماعة المهاجرين، تلك التي أسسها القيادي المتطرف السوري الأصل عمر بكري المولود في مدينة حلب السورية، وربيب جماعة الإخوان المسلمين عبر فرعها في سوريا، وهو شخصية دينية مثيرة للجدل حتى في أصوله وفكره. لا يمكن للمرء فهم تشودري وأفكاره بدون التوقف عند مرشده عمر بكري الإخواني الذي قاده في طريق التطرف، وكيف قدر له أن يعيش في بريطانيا وأن يحولها حاضنة لأفكاره قبل أن يغادرها من جراء ملاحقات أمنية تربط بينه وبين أحداث تفجيرات قطارات الأنفاق في لندن بشهر يوليو من عام 2005. أفضل من يقدم لنا صورة تدعم طرح المؤامرة وتربط بين اهداف بريطانيا الخفية والظاهرة وبين الإخوان المسلمين ومن بعد بقية جماعات الإسلام السياسي، هو الكاتب والصحفي والمستشار البريطاني مارك كورتيس عبر كتابه العمدة التاريخ السري لتآمر بريطانيا مع الأصوليين، وفيه يميط اللثام عن شكل لندن في تسعينيات القرن المنصرم، وكيف كانت من مراكز العالم الكبرى بالنسبة للجماعات الإسلامية المتطرفة، على غرار الجماعة الإسلامية المسلحة الجزائرية، والجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة، وجماعة الجهاد المصرية، والقاعدة نفسها، وكانت كلها قد أنشأت مكاتب في لندن. السؤال الآن، ما هي الفائدة التي كانت ستعود على بريطانيا من هذا الحضور الإرهابي بامتياز؟ وهل كانت ولا تزال تحتفظ بتلك الأذرع الإخوانية من أجل أهداف بعينها؛ تتصل بسياقات الهيمنة الجيوسياسية الجديدة في القرن الحادي والعشرين، وبعد أن خسرت نفوذها وحضورها في القرن السابق؟ يقول الراوي إن بريطانيا أنشأت جماعة الإخوان المسلمين في مصر لأكثر من هدف، فهي من جهة أرادت خلق كيان مناوئ للملك المصري، ولمناوشة الوجود التركي في الشرق الأوسط، وربما، وهذا هو الأهم، وأد تيار القومية العربية الناشئ حديثا في بلاد الشام والرافض للعثمانيين والبريطانيين على حد سواء. هنا يمكن للمرء أن يتفهم هذا الطرح في سياق آليات إمبراطورية تحاول الحفاظ على ممتلكاتها في الشرق والغرب، لكن لأي هدف تحتفظ بريطانيا بمثل تلك الجماعات التي اعتبرت حركة الإخوان المسلمين الأم الرؤوم لها؟ يلفت مارك كورتيس إلى قضية غاية في الأهمية تتخذها بريطانيا ستارا لاحتضانها تلك الجماعات، وتعرف باسم عهد الأمن بين المتأسلمين المتطرفين في بريطانيا وإدارات الأمن، ما جعل من العاصمة البريطانية لندنستان عوضا عن لندن، وفكرة هذا العهد هو أننا إذا وفرنا لهم ملاذا آمنا فإنهم لن يهاجمونا على هذه الشطآن. في أغسطس من عام 1998 كان عمر بكري الذي أسس جماعة المهاجرين المتطرفة يتحدث لعدد من وسائل الإعلام البريطانية والدولية بالقول: إنني أعمل هنا بمقتضى عهد للسلام أبرمته مع الحكومة البريطانية عندما حصلت على اللجوء السياسي. يحق لنا أن نتساءل: إذا كان عمر بكري لم يحفظ هذا العهد عبر المشاركة بشكل أو بآخر في اعتداءات 2005، وإذا كان تشودري يدعو للقاعدة ويستقطب الشباب البريطاني ليرسلهم إلى سوريا والعراق، ما يعني أن عهد الأمن قد سقط، وأن الأطراف المتأسلمة لم تحفظه ولم تصنه، وإذا كان الإرهاب يضرب لندن وغيرها من المدن البريطانية، فلماذا تظل بريطانيا باقية فقط من جهتها على تنفيذ التزامها بتقديم المأوى لهؤلاء؟ جماعة المهاجرين التي أسسها الإخواني عمر بكري وورثها تشودري، ليست إلا طرحا فكريا جديدا من طروحات جماعة التكفير والهجرة التي عرفتها مصر في سبعينيات القرن الماضي، والمتصلة بحبل سري مع الإخوان المسلمين. هل للأمر علاقة خفية بالجماعات السرية التي تحكم العالم، وتستخدم الإسلام السياسي كخنجر في الخاصرة العربية والإسلامية؟ نقلا عن العين الإخبارية