بريطانيا تشهد ضغطا برلمانيا لدفع الحكومة إلى اتخاذ قرار حول حظر تنظيم الإخوان
تواجه بريطانيا ضغطا برلمانيا لدفع الحكومة إلى اتخاذ قرار بخصوص حظر تنظيم الإخوان والمنظمات التابعة له في البلاد، وذلك بعد أن أكدت تقارير اللجان المتخصصة والمعلومات الأمنية المخاطر التي تهدد البلاد بسبب وجود التنظيم الذي ينتهج أجندة سرية تخدم الإرهاب والتطرف.
وفي هذا الصدد، وجه النائب عن حزب المحافظين أندرو روزينديل أسئلة حازمة يوم أمس لوزراء في الحكومة، فيما يتعلق بتزايد أنشطة الإخوان في ظل انتشار فيروس كورونا، وذلك للتأكيد على أن المسار الطويل الذي بدأ عام 2015 مصمم على النجاح في مواجهة التنظيم المتشدد.
في حين أن جماعة الإخوان تواجه حظرا شاملا على أنشطتها في عدد من الدول العربية، بعد أن تم تصنيفها كجماعة إرهابية، فلا تزال الجهود في بريطانيا قائمة منذ سنوات، من أجل حظر التنظيم والتأكيد على خطره الذي يهدد أمن المملكة المتحدة.
وطرح من جهته النائب أندرو روزينديل أسئلة على وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتل أمام البرلمان يوم أمس الأربعاء، تتعلق بالتقييم الذي أجرته بشأن زيادة نشاط تنظيم الإخوان في بريطانيا، نتيجة للانكماش الاقتصادي في ظل انتشار كورونا، ووجه أيضا سؤالا مماثلا إلى وزير الخارجية دومينيك راب، حيث طالب بإجراء تقييم لأثر الانكماش الاقتصادي العالمي على مستوى أنشطة التجنيد التي يقوم بها التنظيم في الخارج.
كما أعرب روزينديل عن مخاوفه من أن التنظيم الإرهابي قد يكون استفاد من جائحة كورونا، ليتمكن بذلك من توسيع نفوذه في أكثر من مكان في العالم، بما في ذلك المملكة المتحدة.
وعلى وزارتي الداخلية والخارجية البريطانيتين أن تجيبا على أسئلة النائب في غضون 7 أيام، إذ لا تعد هذه المرة الأولى التي حذر فيها النائب المحافظ من الإخوان وغيرهم من الجماعات المتطرفة، حيث كان صريحا في موقفه ضد إيواء بريطانيا للمتطرفين، ودعا إلى حظر المنظمات المتطرفة التي تستخدم البلاد قاعدة لجمع الأموال والتحريض على العنف، من خلال المنظمات والمؤسسات المجتمعية.
وتعد هذه الخطوة بمثابة محاولة جديدة في إطار الجهود التي تبذلها جهات سياسية ومجتمعية في بريطانيا منذ سنوات، من أجل حظر الإخوان في البلد الذي شهد العديد من الهجمات الإرهابية، لاسيما في السنوات الأخيرة، ووقف عمليات التجنيد والتمويل التي يقوم بها التنظيم، في الخفاء، وراء واجهة المؤسسات التي ينشئها في بريطانيا وغيرها من دول العالم.
2015…البداية الحقيقية
وكانت أبرز تلك المحاولات، والتي شكلت علامة فارقة في إطار السعي إلى حظر الإخوان ببريطانيا، في عام 2015 وذلك في الوقت الذي ظهرت بعض نتائج تقرير السير جون جينكينز، سفير بريطانيا السابق لدى السعودية والعراق، الذي كلفه فيه رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون، لبحث فلسفة الإخوان وخطرها على أمن المملكة المتحدة.
وخلص التقرير إلى أن الانتماء لجماعة الإخوان أو الارتباط بها أو التأثر بها يعتبر مؤشرا محتملا للتطرف، لاسيما وأن تنظيم الإخوان لم يجادل أبدا في الأساس النظري لتنظيم القاعدة الإرهابي، وأن بعض الأفراد المرتبطين به بريطانيا، أيدوا العمليات الانتحارية التي ترتكبها حماس، على سبيل المثال.
وأوضح أيضا التقرير بأنه على الرغم من نفي إخوان مصر لجوءهم للعنف، فإن مؤيديهم انخرطوا في عمليات عنف ضد القوات الأمنية وغيرها من المجموعات، وأقرت بذلك الحكومة البريطانية مجموعة من الإجراءات الحازمة نحو التنظيم الإرهابي، بما في ذلك رفض تأشيرات الدخول لأعضاء الإخوان أو المرتبطين بهم ممن لهم تصريحات تؤيد أو تحبذ العنف والتطرف.
وأصبح أيضا من الضروري التأكد من أن المنظمات الخيرية المرتبطة بالإخوان، لا تستخدم في تمويل الجماعة وإنما تقوم بعمل خيري فقط، كما أمرت بالتنسيق مع الشركاء الدوليين لضمان عدم استخدام الجمعيات الخيرية لـتمويل الإخوان، وفرض تجميد الأصول المعمول به أوروبيا على حركة حماس.
وأكدت كذلك على استمرار المتابعة والتدقيق فيما إذا كانت آراء ونشاطات الإخوان تتسق مع القانون البريطاني، وقد تم تشديد الإجراءات الأمنية ومتابعة الإخوان والأفراد والجماعات المرتبطة بهم (سواء في بريطانيا أو خارجها).
بوريس جونسون.. مسؤول فهم اللعبة
تتابعت الإجراءات البريطانية لمواجهة تنظيم الإخوان ومخططاته المتطرفة، منذ أن صدر تقرير جينكينز، حيث كان أبرزها تصريحات رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، عندما كان وزيرا للخارجية عام 2017، والتي دعا فيها إلى حملة دبلوماسية غربية جديدة في الشرق الأوسط لمواجهة التطرف.
وقام جونسون، أمام دبلوماسيين وخبراء في وزارة الخارجية البريطانية، بانتقاد سلوك جماعة الإخوان في الشرق الأوسط وبريطانيا، حيث اعتبر أنها أحد الأكثر الأطراف دهاء من الناحية السياسية في العالم الإسلامي، وأضاف: من الخطأ تماما أن يستغل الإسلاميون الحريات هنا في المملكة المتحدة ومن الواضح تماما أن بعض الجهات المرتبطة بالإخوان مستعدة لغض الطرف عن الإرهاب.
وبالرغم من تصريحاته تلك ليست بالجديدة، غير أنها تعطي زخما لجهود مكافحة الإخوان في بريطانيا، نظرا لكونها جاءت من شخص تولى رئاسة الحكومة، وهو مدرك بالفعل حجم الخطر الذي يتربص ببلده نتيجة تطرف الإخوان.
إجراءات حازمة في وجه التطرف
وبعد مرور أيام على تصريحات جونسون، بدأت فعلا الخطوات البريطانية المنتظرة، للتعامل بكل قوة مع الإخوان والجماعات التابعة لها، والتي خططت وقامت بتنفيذ عمليات إرهابية، إذ في ديسمبر 2017، أعلنت الحكومة البريطانية إدراج حركتي حسم ولواء الثورة في مصر إلي قائمة المنظمات الإرهابية.
وفي نفس الصدد، تضمن بيان للسفارة البريطانية في القاهرة بأن إدراج الحركتين جاء بعد مراجعة أدلة الاعتداءات التي نفذها كل من حسم ولواء الثورة ضد أفراد الأمن المصريين والشخصيات العامة، وكجزء من جهود بريطانيا المتواصلة لتعزيز استجابتها للإرهاب الدولي.
وجاء في البيان: توصلت حكومة بريطانيا إلى أن هذه المجموعات تستوفي معايير الحظر. وستعزز عملية الإدراج قدرة حكومة بريطانيا على تعطيل أنشطة هذه المنظمات الإرهابية، والجدير بالذكر أن كلا من حركة حسم ولواء الثورة هما حركتان خرجتا من رحم جماعة الإخوان، وسبق وأن أعلنتا تبنيهما عددا من العمليات الإرهابية في مصر.
وتوالت جهود التصدي للإخوان في بريطانيا في فبراير الماضي بفضل مطالبات نواب في مجلس العموم بضرورة حظر تنظيم الإخوان الإرهابي، لما يشكله من خطر واضح على أمن المملكة المتحدة، إذ قال حينها النائب في الحزب الوحدوي الديمقراطي الإيرلندي، إيان بيزلي، خلال جلسة في البرلمان، بأنه يجب على الحكومة المضي قدما في حملة حظر الإخوان، الذين ينشرون الكراهية ويهاجمون المسيحيين داخل وخارج البلاد.
وقال أيضا من جانبه النائب جوليان لويس، بأن هذا يؤكد ويثير مرة أخرى شكوكي في أن التقرير الخاص حول أنشطة جماعة الإخوان في بلدنا، الذي أجري بتكليف من ديفيد كاميرون عندما كان رئيسا للوزراء، لم يعلن بعد. لماذا؟.
كما اعتبر بيزلي بأن هذه منظمة تستغل وتنتهك المعتقدات لمهاجمة المسيحيين وغيرهم.. هذا أمر مخيف وخاطئ، وأشار إلى أن النموذج الذي روج له الإخوان يحض على التحريض على الكراهية ضد المسيحيين وضد المسلمين الذين انضموا إلى الجيش البريطاني، وتحديدهم كأشخاص ليتم استهدافهم وقتلهم.
الإخوان.. وعمليات التمويل
إن المخاوف في بريطانيا تتزايد حول عمليات التمويل التي يحصل عليها الإخوان ويقدمونها، من خلال الجمعيات الخيرية وغيرها من المؤسسات المجتمعية التي أنشأها أعضاء التنظيم في مختلف أنحاء بريطانيا.
وقد كان تقرير جينكينز ركز أيضا على دراسة ثقافة السرية التي تنتهجها الحركة، والتي جعلت من الصعب تعقب تأثيرها على الهيئات المدنية، ولا طالما كان هناك قلق من تأثير الإخوان على المجلس الإسلامي البريطاني (إم سي بي)، والذي يعد عبارة عن مظلة تضم أكثر من 500 منظمة إسلامية، تقول بأنها غير طائفية.
وسأل كذلك روزنديل، النائب عن مدينة رومفورد في مقاطعة إسيكس في الشهر الماضي عن الروابط بين المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية والإخوان، وردت وزارة الداخلية بأنها تبقي قيد المراجعة الآراء التي يروج لها والأنشطة التي يضطلع بها شركاء الإخوان في المملكة المتحدة.
كما توجد مخاوف متزايدة في صفوف الحكومة البريطانية بخصوص زيادة تأثير الإخوان، بعد تخفيف القواعد التي تحكم الاتصال الرسمي بين وزارة الداخلية والمجلس الإسلامي البريطاني، إذ هناك علاقة وطيدة بين كل من هيئة الصحة العامة في إنجلترا، التي تقود مكافحة فيروس كورونا، والمجلس الإسلامي البريطاني، إذ يساعدها في الترويج لفيديوهات التوعية.
وتشير كل هذه المؤشرات وبوضوح إلى خطر تنظيم الإخوان في بريطانيا، سواء بدعم المتطرفين والتحريض على العنف، أو باستغلال المملكة المتحدة وسياساتها المتعلقة بالجمعيات الخيرية، لجمع التمويل اللازم لعملياتها المتطرفة، ولذلك، فقد كانت ولا تزال جهات بريطانية مختلفة، ونواب ومسؤولون كبار، يواصلون جهودهم لوقف التنظيم المتطرف عند حده، للحفاظ على أمن البلد والمنطقة.