بريتوريا.. حراك سياسي يختبر مسار السياسة الخارجية
يواجه الحزب الحاكم في جنوب افريقيا وضعا سياسيا معقدا بعد اعترافه رسميا بهزيمته في الانتخابات التشريعية وبالتالي تقلص هيمنته على السلطة واضطراره مكرها للبحث عن تشكيل حكومة ائتلافية ستتضح ملامحها في حال حصل على توافقات مع المعارضة.
وكان متوقعا أن يفقد الحزب الحاكم السلطة المطلقة التي كان يتمتع بها على اثر فضيحة فساد مالي تعلقت بالرئيس سيريل رامابوزا، وهو ما حدث بالفعل بعد أن خسر الغالبية البرلمانية، لكن يبقى السؤال المحوري هو هل تنفتح جنوب افريقيا بعد الهزيمة القاسية لحزب رامابوزا، على تغييرات جذرية في السياسة الخارجية خاصة تلك السياسات التي أثرت على نمو الاقتصاد وعلى علاقات بريتوريا بشركاء اقليميين وازنين.
ومن ضمن الأسئلة المطروحة في الظرف الراهن وهي من الأسئلة القديمة المتجددة، هي هل تقود التحولات الأخيرة إلى انعطافة في مواقف السلطة في ما يتعلق بتبني طروحات جبهة بوليساريو الانفصالية وهل تستعيد برتوريا زخم العلاقات مع المغرب بتغيير موقفها من ملف الصحراء المغربية.
وأكد حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الذي يتولى السلطة منذ ثلاثين عاما والذي خسر غالبيته المطلقة في الجمعية الوطنية، الأحد عزمه الشروع في محادثات مع الأحزاب السياسية الأخرى لتشكيل حكومة ائتلافية.
وقال الأمين العام للحزب فيكيل مبالولا إن حزبه “ملتزم بتشكيل حكومة تعكس إرادة الشعب وتكون مستقرة وقادرة على الحكم بفعالية”، مشيرا إلى أن الحزب سيعقد مناقشات داخلية ومع أحزاب أخرى “خلال الأيام القادمة”، مضيفا خلال مؤتمر صحافي “لقد أظهر الناخبون أنهم يتوقعون من قادة هذا البلد أن يعملوا معًا من أجل مصلحة الجميع”.
وبعد فرز 99.91 في المئة من الأصوات التي أدلى بها الناخبون الأربعاء، حصل الحزب التاريخي على 40.21 بالمئة من الأصوات فقط، ما شكل انتكاسة بالنظر إلى النسبة التي حصل عليها في البرلمان المنتهية ولايته والبالغة 57.5 في المئة.
وتمثل هذه النتيجة نقطة تحول تاريخية بالنسبة لجنوب أفريقيا، حيث حظي حزب المؤتمر الوطني الأفريقي بالأغلبية المطلقة منذ عام 1994، عندما نجح حزب نيلسون مانديلا في تحرير البلاد من نير الفصل العنصري وقادها إلى الديمقراطية.
وأقر مبالولا بأن “النتائج تبعث برسالة واضحة إلى حزب المؤتمر الوطني الأفريقي” مضيفاً “نريد أن نؤكد للشعب في جنوب أفريقيا أننا أنصتنا إلى مخاوفهم وإحباطاتهم واستيائهم”.
ولا يزال حزب المؤتمر الوطني الأفريقي بزعامة سيريل رامابوزا هو أكبر حزب في الجمعية الوطنية. ويتعين على المجلس الجديد انتخاب الرئيس القادم في يونيو/حزيران.
وفي غضون ذلك، ينبغي على الحزب الحاكم أن يشكل تحالفات. إما لتشكيل حكومة ائتلافية مع حزب واحد أو أكثر، أو لإقناع الأحزاب الأخرى بتأييد إعادة انتخاب رامابوزا الذي سيقوم بتشكيل حكومة تضم أقلية من حزب المؤتمر الوطني الأفريقي. والتي سيتعين عليها أن تسعى في كل مرة إلى إيجاد حلفاء لتمرير ميزانيتها ومشاريع قوانينها.
ويفترض أن ترسم نتائج الانتخابات الأخيرة تحولات سياسية مفصلية مع فقدان الحزب الحاكم للأغلبية البرلمانية. والتي تحدد بدورها مسار الانتخابات الرئاسية القادمة.
وغرقت جنوب افريقيا في عهد رامابوزا في مشاكل اقتصادية وسياسية في فترة رئاسية اتسمت باستشراء الفساد في مؤسسات الدولة وفي الحزب الحاكم ذاته.
ويواجه الرئيس الحالي العديد من المتاعب ويحتاج للبقاء في السلطة الى دعم من الأحزاب الفائزة في الانتخابات التشريعية وإلى حزام شعبي لا يبدو مضمونا .بعد أن طالته شبهات فساد كان قد أنكرها، بينما يكابد منذ العام 2022. تاريخ انكشاف فضيحة الفساد المالي لاستعادة ثقة الناخبين.
وكان قد نجا قبل عامين من العزل اثر تورطه في فضيحة فساد هزت جنوب افريقيا .بعد أن عارض البرلمان الذي كان يهيمن ليه الحزب الحاكم إجراءات أطلقت لعزله في نهاية نقاش ساخن.
لكن تلك الفضيحة أرخت بظلالها على مستقبله السياسي ومنحت المعارضة فسحة لانتزاع الفوز الأخير في الانتخابات التشريعية. وأنهت تقريبا ثلاثة عقود من هيمنة حزب رامابوزا على الحكم الفردي.
وسيريل رامابوزا (70 عاما) الذي أصبح موضع شبهة في السنوات القليلة حقق ثروة من أنشطته في مجال الأعمال قبل توليه الرئاسة. وواجه اتهامات بـ”إخفاء عملية سرقة عن الشرطة ومصلحة الضرائب طالت مزرعته في شمال شرق البلاد”.
وتتعلق القضية بقيام لصوص في فبراير 2020 بسرقة مبالغ مالية تقدر بنحو 580 ألف دولار. كانت مخبأة تحت وسائد أريكة في مزرعة يملكها رامابوزا .الذي قال لاحقا بعد تفجر الفضيحة إن المبلغ يعود إلى بيع عشرين جاموسا. لكن معارضا سياسيا من خصومه رفع كوى حينها شكك فيها في رواية الرئيس واعتبر أنها أموال قذرة جرى التكتم عليها كما جرى التكتم على عملية السرقة.