سياسة

بايدن وعقلية الحرب الباردة


تميز العام المنصرم بجملة من التحديات الشائكة أثرت بتفاعلاتها على العديد من الأنظمة الدولية.

 وشكلت تقهقراً فاضحاً وتأثيرات بالغة على النظام الدولي والهيئات العالمية، وكأن ساحات العالم بأسرها وصلت إلى ذروة الحرب الباردة، وثمة تساؤلات مطروحة، إلى أين ستؤول الحرب الباردة بين الدول الكبرى الصين وأمريكا وروسيا؟

قد تكون الحرب بينهما بشأن بحر الصين الجنوبي وشيكة الوقوع، وقد تؤدي الصراعات القائمة إلى مواجهات كلاسيكية، ولم تكف واشنطن عن مطالبة بكين بوقف بناء جزر صناعية في تلك المنطقة المتنازع عليها، لأن الصين مصممة على الانتهاء من عمليات البناء التي تقوم بها، وسط تزايد التوتر بشأن عمليات البناء التي تقوم بها الصين في جزر سبراتلين وتحديداً في بحر الصين الجنوبي، وأعلنت بكين أن مطالباتها في بحر الصين الجنوبي هي مصلحة أساسية، ولا يمكن التفاوض حولها، ومن جهتها لا تستطيع واشنطن المساومة على دفاعها عن المشاعات العالمية، وفي حين يستطيع كلا الجانبين تنفيذ بعض التراجعات التكتيكية، إلا أنهما لن يتمكنا من التخلي عنها بحذر لاحتمال تفاقم وتزايد الصراع بينهما.

ولما تولى ترامب مهام منصبه في 2017م سارت العلاقات بين الولايات المتحدة والصين على نحو مندفع وخطير، واتخذ ترامب جملة من الخطوات المؤثرة حيال الصين، وتضمنت تلك الخطوات شن حرب تجارية واسعة عدا عن حظر شركات التكنولوجيا الصينية مثل تيك توك، والسماح بعمليات تبادل رفيعة المستوى بين الولايات المتحدة وتايوان، وتحميل بكين تبعات السياسات الصينية في هونج كونج، وإقليم شينغيانغ وفي بحر الصين الجنوبي.

أحد الاختلافات العجيبة بين بايدن وترامب سيكون في مجال حقوق الإنسان، إذ فرضت إدارة ترامب العام الماضي عقوبات على مسؤولين صينيين بسبب السياسات في شينغيانغ وهونج كونج والتبت، ونادراً ما تحدث ترامب نفسه عن حقوق الإنسان، وأنه ينبغي المدافعة عن القيم الإنسانية بقوة حول الديمقراطية وحقوق الإنسان، وفي الاتصال الهاتفي الذي أجراه بايدن مع الرئيس الصيني شي جين بينغ أثار عدة قضايا ساخنة بما فيها قضايا التجارة والقمع في هونج كونج والتوتر مع تايوان، في حين حذر الرئيس الصيني، بايدن من أن انهيار العلاقات وترديها بين الطرفين سيكون كارثياً.

وثمة من يرى أن تحدي الصين للولايات المتحدة في بحر الصين الجنوبي، والصراعات بينهما قد تظل لفترة طويلة، وإذا كانت تريد واشنطن الدفاع عن حرية الملاحة، فإنها ستقوم بقيادة طائراتها فوق ما تعتبره بكين مجالها الجوي السيادي، وإرسال السفن الحربية عبر المياه التي تعتبر بكين أنها تمتلكها، وهذه رؤية اتضحت مراميها وأبعادها حين تحركت المجموعة الهجومية الأمريكية إلى بحر الصين الجنوبي مؤخراً، وهو الممر المائي الذي تطالب الصين بالسيادة على جزء كبير منه، لإجراء عمليات روتينية لضمان حرية البحار وبناء شراكات تعزز الأمن البحري.

 وأعلن الجيش الأمريكي دخول حاملة الطائرات تيودور روزفلت بحر الصين الجنوبي، بعد أيام من تنصيب الرئيس بايدن برفقة طراد الصواريخ الموجهة بانكرهيل، والمدمرتين راسل وجون فين، المسلحتين بصواريخ موجهة، في خطوة قد تثير غضب الصين، وترفض واشنطن مطالبات بكين بالسيادة على مساحات واسعة من منطقة بحر الصين الجنوبي، بما يشمل جزر باراسيل التي غالبا ما تمثل مصدر قلق.

ولأن الموارد الصينية البشرية والاقتصادية وخبراتها التاريخية تؤهلها لموقع عالمي أكبر بكثير، بدأت سلسلة إصلاحات اقتصادية أحدثت أثراً مذهلاً، فالاقتصاد الصيني يحقق نمواً مرتفعاً متواصلاً منذ أكثر من 30 سنة، ما أثار غيرة شديدة للقوة الأمريكية المسيطرة التي لم تتوقع استمرار النمو بهذه القوة الاقتصادية.

ومن المؤكد أمام ضخامة التفاعلات السياسية الدولية أن بايدن سيتخذ حتماً نهجاً أكثر صرامة من أوباما، وستكون الإجراءات الجديدة والمعطيات الواضحة نهجاً أكثر تشدداً تجاه الصين، وليس بعيداً في ظل الإدارة الجديدة النزوع إلى اتخاذ قرارات جريئة وسريعة كبادرة على حسن النوايا وفرصة لإظهار الثقة المتبادلة بين الطرفين، انطلاقاً من أهمية الحوارات الفعالة بغية تحسين العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، وبطريقة مماثلة تُعد التهديدات التي تتعلق بالأوبئة من بين الاهتمامات الكبرى التي ترهق الدول، ما يمثل ضغوطا كبيرة عليها، وبالتالي سوف تتفاقم المشكلات في أقاليم العالم ذات الحسابات الاستراتيجية، ومن هنا فإن انتشار وباء جائحة كورونا وما ترتب عليه من تداعيات ضخمة يعد ضمن نقاط التحولات المركزية إلى حد ما بمنظومة القيم استناداً إلى أن عالم ما بعد كورونا يتيح تحولات على مستوى دوائر حركة الأفراد وتفاعل المؤسسات، ثم دائرة العلاقات الدولية بصورة سريعة وشديدة العمق، فضلاً عن الظواهر الناجمة عن سلبيات البيئة والأوبئة.

ولا تزال المنافسة الشديدة موجودة في العلاقات بين واشنطن وبكين، بل هناك مجالات واسعة يمكن للبلدين من خلالها التعاون مع بعضهما، وستظل العقلية الأمريكية السلبية تجاه الصين قائمة، ما دامت الإدارة الأمريكية الجديدة لديها الخطط الاستراتيجية لإجراء تعديلات سياسية وأمنية وتجارية، وستحيد على الأرجح عن سياسة إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، إذاً قد تكون هناك فرصة سانحة لإعادة بناء علاقات أفضل بين البلدين، وتقييم العلاقة بينهما، وإن تنصيب إدارة أمريكية جديدة يمكنها اتخاذ أساليب بعد المرحلة السلبية مع الصين، وطبيعة العلاقات بينهما تؤثر على دول وسياسات العالم بأكمله في حال تبنت الإدارة الجديدة سياسة التعاون المربحة للجميع مع الصين بدلاً من عقلية الحرب الباردة.

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى