الولي الفقيه يولول


ليست مصادفة أن ينتفض أحرار لبنان والعراق على ما آل إليه الحال جراء نفوذ الولي الفقيه الذي يحلم بإعادة أمجاد مملكة فارس ذات النفوذ الجغرافي الواسع بالقوة الناعمة تارة وبالخشنة تارة أخرى، فيعمل على تغذية الانقسام الطائفي وزرع الشقاق بين أبناء البلد الواحد وتأليب بعضهم على بعض ليتسنى له الانفراد بالساحة فيسرح ويمرح كما يشاء.

لقد كانت انتفاضة الشارع اللبناني والعراقي مسألة حتمية تنتظر لحظة النضج المناسبة، حيث عاشت المنطقة عقودها الأخيرة في حالة مهادنة وتنازلات -بحثا عن السلام- لكل من يملك نفوذا لا سيما من تسللوا فكريا وعقديا وفرضوا أنفسهم على العامة من جيل السبعينيات والثمانينيات وعملوا على إبقائهم في حالة مراوحة في دائرة فكرية ضيقة مسورة بالترهيب من تجاوز أسوار الطائفية؛ حيث المآلات الدموية التي عاشها الآباء والأجداد، وهم بارعون في تصوير ذلك وتضخيمه، لكن الجيل الأحدث في هذين البلدين الذي يمتاز بثقافته واطلاعه على كل صغيرة وكبيرة تمرد على الأعراف الطائفية التي طالما شكلت خارطة طريق إجبارية نحو مزيد من الثراء لزعماء الطوائف على حساب حواضنهم الشعبية التي طالما ظنت أن تلك الزعامات هي طوق نجاتهم وحصنهم الحصين ضد نوائب الدهر وتحديات الحياة.

في لبنان اعتاد اللبنانيون لعقود بعد الحرب الأهلية أن يتعطل تشكيل الحكومة لأشهر طويلة، أو أن تسقط لأن مزاج زعيمين أو ثلاثة ليس رائقا، غير آبهين بما يعانيه المواطن، أما اليوم فقد تبدل الحال وحسم الشارع في أسبوعين أمر الحكومة التي تشكلت بمحاصصة ترضية لفصيلين سياسيين – التيار الحر وحليفه حزب الله- كانا يتحكمان في مجريات الأمور في البلد ويعطلان الحياة العامة إلى أن انكشف حجم الفساد الذي استفحل ونخر أجهزة الدولة، ولا يزالون يطمحون لتحقيق شعارهم الذي بدأ يؤتي أكله “كلن يعني كلن” الذي أحدث ما لم يكن في الحسبان؛ حيث تبين من يضمر الشر ويدفع لتثبيت الطائفية بالترهيب والتخريب، الأمر الذي حتم استقالة الحريري، والذي قبل على مضض أن يرأس حكومة كانت شكلية ولا تحقق سوى أغراض فصيل أرعن لا يعرف سوى الإرهاب سبيلا للسياسة.

ما أن أعلن الحريري استقالته حتى هرع السياسيون التقليديون لتحليل الخطوة، واندفع بعضهم باتجاه الوعود بأن الحكومة التي تريدون في طريقها إليكم فلتعودوا إلى بيوتكم، وذهب آخرون إلى أن حكومة اللون الواحد أو التكنوقراط ما هي إلا حماقة سياسية.

ويبدو أن نفس الشارع اللبناني سيكون طويلا في طريق تحقيق إرادته، مستمدا قوته من عدم وجود قيادة موحدة للحراك. ومع ذلك يظن الفريق الذي لا يزال في السلطة أنه سيتمكن من إقناع الشارع والسيطرة عليه، وبالتالي الإبقاء على مكتسباته ومواقعه في السلطة، وهذا أمر صعب في ظل عدم القدرة على تحديد من يقود الحراك على غرار ما حدث في السودان. 

وفي العراق كذلك، تفاجأت القوى السياسية الطائفية بتمكن الشارع من حل لغز الطائفية الذي مكنهم من إعلان تمردهم على الطائفية بعد نحو خمسة عشر عاما، ظنوا فيها أنهم أحسنوا صنعا حين دعموها، وحين أدركوا أن لا أحد يعيرهم اهتماما قرروا النزول للشارع والبقاء فيه، ومواجهة كل أنواع القمع الحكومي والمليشياوي، ولا يختلف الحال كثيرا عن الحالة اللبنانية في التركيبة السياسية الطائفية التي تتقاسم السلطة والثروة وتستأثر بالسلاح خارج الدولة، مع استثناء إقليم كردستان العراق الذي يتطلع إليه العراقيون كنموذج في كل شيء تقريبا.

العراق أزمته عويصة.. فعدد المليشيات المسلحة التي تحظى بغطاء من الدولة كبير، وجميع تلك المليشيات تتلقى أوامر مباشرة من قاسم سليماني في طهران، الذي يشرف على تدريبها وتمويلها بشكل شخصي وبرعاية مباشرة من خامنئي، الذي وصف مولولا ما يجري في العراق ولبنان بأنه شغب وراءه أمريكا وإسرائيل، بل يأمرهم بالانصياع للقانون الذي يفرضه هو وتنفذه أذرعه المرتزقة سياسيا ومليشياويا.

لكن لسان الحال الإيراني ما هو إلا معاناة وعويل جراء لكمة قوية في وجه خامنئي وتلاميذه ضمن مجموعة اللكمات القوية التي يتعرض لها المشروع الإيراني، المستند إلى المتاجرة الرخيصة بالدين وبقضايا المنطقة، أملا في التوسع الجغرافي عبر الوكلاء، فضلا عن اللكمات التي يتلقاها في اقتصاده وستقود لنهايته وانهياره داخليا وخارجيا دفعة واحدة.

الانتفاضة العراقية الشعبية توازيها تحركات “نخبوية” من بعض القوى الحاكمة لمحاولة إدارة التغيير القادم وحماية المناصب من ناحية، ومن ناحية أخرى تهدف تلك التحركات لتوجيه الحراك وتبنيه بشكل أو آخر، على أمل الحصول على مكاسب سياسية سلطوية تستند إلى شرعية ثورية، وبالتالي تجاوز أي تعقيدات قد تفرضها الوقائع اللاحقة في حال نجاح الانتفاضة في تحقيق مآربها.

أما في لبنان فإن نجحت مساعي المنتفضين في تغيير تركيبة الحكم فإن ذلك يعني وداعا لجمهورية “اتفاق الطائف”، الذي أسس للجمهورية الثانية بأن جمع الطوائف على كلمة سواء، ولكنهم اختاروا بأيديهم أن يوصلوا البلاد إلى طريق مسدود، وسيكون البديل تصفير النظام والبدء بكتابة دستور انتقالي أو دائم للبلاد يحدد آلية حكم البلاد.

نقلا عن العين الإخبارية.

Exit mobile version