سياسة

الولايات المتحدة تسعى لإنهاء دور العراق كـ«جسر» لمحور المقاومة


 تُشكل الدعوة الصادرة عن مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وهي مركز أبحاث أميركي نافذ ومؤثر في دوائر صنع القرار بواشنطن، إلى إبعاد كافة السياسيين المقربين من الميليشيات الموالية لإيران عن الحكومة العراقية المقبلة جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية أميركية مُكثّفة ترتكز على الضغط الأقصى على طهران ووكلائها بهدف تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة برمتها.

وتعتبر واشنطن أن هذا النفوذ لم يعد مجرد تأثير تقليدي، بل تحوّل إلى نظام وكالة متجذر في هياكل الدولة ومؤسساتها. وأشار تقرير المعهد إلى أن “الأداء الجيد لحلفاء إيران في انتخابات 11 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي يُمثل تحديًا، وربما كان الدافع المباشر لتصعيد الضغط”. وتعتبر الولايات المتحدة أن أي مكاسب سياسية لشركاء طهران تُترجم فوراً إلى مزيد من تعزيز قدرتها على استغلال العراق سياسيًا وماليًا وأمنيًا.

وتستثمر الولايات المتحدة مرحلة تصريف الأعمال في الحكومة، في انتظار اختيار رئيس وزراء جديد، كفرصة استراتيجية لإجبار بغداد على اتخاذ قرارات سيادية حاسمة، بهدف تقويض النفوذ الإيراني من داخل هياكل الدولة الرسمية، حيث ترى واشنطن أن هذه المرحلة تتيح المجال لفرض شروط تضمن استبعاد السياسيين المرتبطين بالميليشيات عن المناصب الوزارية والقيادية.

وتعود جذور هذه الشبكة القوية من الوكلاء، التي تتمحوّر حول ميليشيات الحشد الشعبي، إلى منتصف العقد الأول من القرن الـ21. ويُشير التقرير إلى أن حزب الله اللبناني قام بدور أساسي في تأسيس وتدريب ودعم هذه الشبكة العراقية، مما يؤكد أن واشنطن تتعامل مع هذه الفصائل كأذرع متكاملة لـ”محور المقاومة” الإيراني تعمل بشكل منسق ضد المصالح الغربية والإقليمية.

التجفيف المالي: استهداف الشريان الاقتصادي

ويُركز العزم الأميركي على تجفيف مصادر التمويل الضخمة التي تُغذي النفوذ الإيراني وتُشكل شريان الحياة لهذا المحور. ويُسلّط التقرير الضوء على أبعاد هذا الاستغلال، لافتا إلى أن وكلاء إيران يتمتعون بنفوذ سياسي واقتصادي هائل يستغلونه لدعم طموحات طهران.

وأشار إلى أنهم يحققون أكثر من مليار دولار سنويًا من تهريب النفط والتهرب من العقوبات. يُضاف إلى ذلك ميزانية الحشد الشعبي الرسمية التي تُقدّر بـ3.5 مليار دولار، والتي تُستغل جزئيًا لدعم أجندات تتجاوز إطار الدولة، وفق المصدر نفسه.

وأوضح التقرير أن هذه المجموعة من الشخصيات تضع مخططات تستغل الاقتصاد النقدي لتحويل العملة الأميركية إلى إيران وشركائها بما يصل إلى مليارات الدولارات خلال العقد الماضي، ما يضع البنك المركزي العراقي والمصارف المحلية تحت المجهر الأميركي، حيث تُعد السيطرة على تدفق الدولار الأداة الأقوى في استراتيجية الضغط الأقصى.

الجسر الإقليمي وحصار القرار السيادي

وتُعتبر السيطرة على العراق مفتاحًا حيويًا لإيران، بالنظر إلى أنه يشكل “جسرًا” حيويًا مع شركائها في بلاد الشام. ويضمن النفوذ الإيراني على الساحة العراقية استمرار تدفق الأفراد والأسلحة إلى سوريا ولبنان، مما يُعزز قدرة طهران على إدارة صراعاتها الإقليمية دون انقطاع.

ويُقيم تراجع الحكومة العراقية عن قرار تجميد أصول حزب الله والحوثيين وإدراجهما على قائمة الإرهاب، في غضون ساعات قليلة، دليلاً قويًا على النفوذ الخانق الذي تمارسه الفصائل المسلحة على القرارات السيادية لبغداد، ما يشير إلى أن الضغط الإيراني والفصائلي يتجاوز الساحة السياسية ليشمل القرارات السيادية العليا للدولة.

وتؤكد مطالبة واشنطن بغداد بحماية المسؤولين الذين يعملون على وضع قوائم الإرهاب، أن الضغط الداخلي على صانعي القرار هو تحدٍ حقيقي للإستراتيجية الأميركية. ما يشير إلى أن الفصائل لا تكتفي بالتهديد السياسي، بل تستخدم الترهيب لحماية مصالحها من التفكيك القانوني.

العراق يتحول إلى ساحة حسم

وينطلق عزم واشنطن من قناعة راسخة بأن الوضع الراهن غير مستدام؛ فاستمرار سيطرة الفصائل المسلحة على مسارات القرار والتمويل في العراق يهدد الاستقرار الإقليمي ويُقوّض مصالح الولايات المتحدة في المنطقة.

وتهدف الإستراتيجية الأميركية الحالية إلى تحويل العراق من ساحة للنفوذ الإيراني إلى دولة ذات سيادة مستقرة ومحايدة عبر محاور ثلاثة: فك الارتباط السياسي من خلال الإصرار على إبعاد السياسيين المرتبطين بالميليشيات عن الحكومة الجديدة والاستعداد لـ”معركة شاقة” لتفكيك شبكات التمويل الحكومية والخاصة التي تخدم إيران بالإضافة إلى دعم بغداد لفرض سلطتها وحصر السلاح، وإنهاء دور العراق كـ”جسر” إيراني لوكلائها.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى