سياسة

“الوطني الاتحادي”.. والأسرة الإماراتية

مدى القناعة لدى المسؤولين وصناع القرار في دولة الإمارات بأن المنظومة الشاملة لنهوض المجتمع والحديث عن مؤشرات تحقيق التنمية في العالم لا يكتملان إلا من خلال تحقيق التوازن بين المقومات المادية بشكل عام “من اقتصاد ورأس مال وشركات” والمقومات المعنوية والجوانب النفسية للفرد أو الإنسان الذي هو جزء من الأسرة.

قد يكون تطرق المجلس الوطني لموضوع الأسرة له أهمية خاصة كونه السلطة التشريعية في الدولة، وعلى أساس أنه ستتم ترجمة العديد من توصياته التي ناقشها لتكون قوانين وقرارات تصب في نهاية المطاف، على شكل خطوات واضحة المعالم، في شأن استقرار وتماسك الأسرة التي تعني في نهاية الأمر تماسك المجتمع بشكل عام وإسعاد أفراده، لكن علينا، ونحن نتابع ما يحدث في الجوانب الأسرية والمجتمعية في الإمارات، أن نلتفت إلى وجود العديد من الخطوات التي تدعم المنظومة المجتمعية في الدولة وعلى رأسها مؤسسة التنمية الأسرية التي تلعب دوراً جوهرياً ومتنامياً في هذا السياق وغيرها من المؤسسات.

وإذا كانت دولة الإمارات تحتل منذ سنوات طويلة مكانة متقدمة في المؤشرات الاقتصادية والمالية وبشهادة العديد من التقارير الدولية، فإنه من الطبيعي بل هي مسألة روتينية أن تكون الأكثر اهتماماً بالمقومات المعنوية والجوانب النفسية الضرورية للحفاظ على تماسك المجتمع وازدهاره، بل إن البعض يركز على أن تكون الإمارات هي صاحبة السبق في الاهتمام بالجوانب النفسية كون رؤيتها التنموية تقوم على أن الإنسان هو الثروة الحقيقية للمجتمعات.

رسمياً، فإن اهتمام دولة الإمارات بالجوانب النفسية والاجتماعية لمواطنيها، لا يرتكز فقط على رؤية مؤسس دولة الاتحاد بأن الاستثمار الحقيقي للمجتمعات هو الإنسان وبالتالي أسقطها على المؤسسات لتهتم به، وإنما ينبع “هذا الاهتمام” أيضاً من شمولية ورحابة الرؤية المستقبلية للمجتمع الإماراتي كما يجب أن تكون؛ وهي الرؤية التي تنطلق من اعتبار التنمية الإنسانية متطلباً أساسياً، بل وقاطرة لكل مكونات التنمية المستدامة والشاملة. لأن الإنسان الذي يقود العمل سواءً في نطاق عام جماعي أو حتى على المستوى الفردي، لا يمكنه النجاح في عمله ما لم تتوفر له بيئة اجتماعية مواتية ومشجعة، تبدأ بالضرورة من الوحدة الاجتماعية الأصغر وهي الأسرة.

على كل، في نظري، وُفق المجلس الوطني الاتحادي مرتين في تخصيص جلسته الأخيرة لمناقشة قضية التلاحم الأسري ودوره في تحقيق التنمية المستدامة. المرة الأولى: أنه ناقش قضية من القضايا المهمة على مستوى المجتمعات الإنسانية عموماً وربما كانت المجتمعات الغربية أول المبادرين في مناقشة تأثير الجوانب العاطفية للإنسان واستقراره النفسي ليكون إنساناً سعيداً وإيجابياً في خدمة وطنه، وعليه فإن مفاهيم الأمن الوطني لم تعد تقتصر على الجوانب العسكرية فقط.

ووُفق المجلس الوطني الاتحادي مرة ثانية في تناول الموضوع من الجانب الاختصاصي التشريعي له، فبجانب أنه السلطة المسؤولة عن التشريع لكل الموضوعات محل الاهتمام، فإن التطرق له يعطي حافزاً أكبر لمؤسسات الدولة ذات الاختصاص بالاهتمام بالموضوع ووضعه ضمن أولوياتها، وهو ما يمكن إدراجه ضمن نظرة مستقبلية وتحرك لتأسيس قاعدة قوية لمجتمع يستشرف المستقبل ويستعد لمواجهة تحدياته بكل طاقات أبنائه الذين هم السلاح الحقيقي لتقليل التأثيرات السلبية.

ويبقى أن السعي الدؤوب والمستمر إلى تأمين المجتمع وتحصينه وضمان استقراره معنوياً وعاطفياً وليس فقط مادياً، ربما يكون أمراً مدهشاً في معظم دول العالم، بل وأكثرها تقدماً، لكنه ليس كذلك في دولة سبقت العالم إلى تأسيس وزارة للسعادة، وخرقت المعتاد باستحداث وزارة افتراضية “اللامستحيل”.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى