في بداية هوجة «الربيع» العربي قامت بعض الجماعات والحركات التي تزعم التوجه الإسلامي باستغلال حلم الشباب في التسفير والهجرة لتحقيق مستقبل أفضل، ذلك الطموح الطاغي على تفكير الشباب في بلدان الفقر العربي، الذي تسببت فيه حكومات ديكتاتورية أغلبها من العسكريتاريا، مثل صدام والأسد والقذافي وصالح وبن علي… حكومات أهلكت النسل والحرث ولم تسعَ لأي مشروعات لتنمية الشباب واستغلال طاقاتهم محلياً، بدلاً من تركهم رهائن الفقر والبطالة والمخدرات، حتى أصبحت الهجرة أو التسفير طموحاً في العقل الجمعي للشباب في تلك البلدان التي أفقرتها سياسة حكامها الذين سقط أغلبهم كقطع الدومينو في هوجة «الربيع العربي»، والشباب التونسي لا يختلف عن الباقين، فهو الذي كان يحلم بمستقبل نظيف آمن وحياة رغيدة، وجد نفسه ضحية التسفير إلى بؤر التوتر مثل ليبيا وسوريا والعراق واليمن بعدما خدعته جماعة ظن فيها الصدق والصلاح ليكتشف أنها جماعة ضالة تتاجر بالدين كما تتاجر بأي سلعة ولا صدق ولا مصداقية فيما تقول أو تفعل، بعد أن وجد أغلب الشباب المغرر بهم أنفسهم بين سندان السجن أو مطرقة القتل في البلدان التي تم تسفيرهم لها تحت شعار «الجهاد» من دون قضية تخصهم ليكتشفوا أنهم مجرد بنادق مستأجرة لا دية لها حين تُقتل أو تُعتقل.
تورط حركة «النهضة» التونسية تؤكده شواهد عديدة ومنها تصريح القيادي في الحركة الحبيب اللوز الذي قال فيه: «لو كنت شاباً لتوجهت للجهاد في سوريا»، ما يؤكد تبني حركة «النهضة» لفكرة تسفير الشباب والتغرير بهم من خلال خطاب شعبوي، خطاب غسل أدمغة الشباب نحو التسفير والجهاد في سوريا كان يجاهر به إمام وخطيب «النهضة» ووزيرها لاحقاً في مسجد الفتح في وسط العاصمة التونسية بلا رقيب أو حسيب زمن حكم «النهضة».
كما أكد العديد من المراقبين وجود شبكات تجنيد للشباب التونسي للقتال في ليبيا وسوريا واستخدام الحدود التونسية – الليبية كمراكز تطوع لهؤلاء، ويرى المراقبون أن حركة «النهضة» خلال فترة حكمها في تونس متورطة في تجنيد هؤلاء الشباب من أجل الالتحاق بالمجموعات المسلحة.
التسفير حصل أغلبه خلال فترة حكم الترويكا عام 2011، فقد كانت هناك سياسة حكومية ممنهجة لتشجيع الشباب التونسي والدفع بهم للسفر إلى مناطق النزاع، وتم تقديم التمويل وتسهيلات لوجستية لتسهيل إصدار جوازات سفر والعبور عبر المعابر الحدودية من دون عائق.
بعد فتح ملف تسفير الشباب التونسي لبؤر التوتر، قامت الشرطة التونسية باستدعاء رئيس حركة «النهضة» راشد الغنوشي ونائبه ورئيس الحكومة الأسبق علي العريض، للاستجواب حول «التسفير» إلى بؤر التوتر، وهما الآن يواجهان التهم بشأن تورطهما في ملف تسفير التونسيين إلى بؤر التوتر في ظل وجود شبهات بضلوع قيادات حركة «النهضة» الإخوانية الهوى في تنظيم سفر التونسيين إلى بؤر الإرهاب والتوتر.
ليبيا من أكثر البلدان التي كانت ضحية ومحطة انطلاق لهذا التسفير؛ حيث انخرط أغلب هؤلاء المسافرين من الشباب في صفوف «داعش» وتنظيم «القاعدة»، واستخدموا في استمرار حالة العنف والإرهاب في ليبيا وما جاورها، وكان أغلب ضحايا هؤلاء هم أفراد الجيش والقوات الأمنية في ليبيا، وقد سهل تقارب الحدود تسفير هؤلاء من تونس إلى ليبيا، خصوصاً أن الحكومتين في ذلك الوقت في كل من ليبيا وتونس تنتميان لجماعة «الإخوان»، مما سهل عمليات التسفير ونقل هؤلاء المقاتلين الذين تم تدريبهم في ليبيا وتسليحهم أيضاً، ومنهم من بقي في ليبيا، ومنهم من تم تسفيره بعد التدريب والتسليح إلى سوريا والعراق وحتى اليمن.
فتح ملف تسفير الشباب التونسي وإلحاقه بالجماعات الإرهابية، واستغلال حالة الفقر، يعد جزءاً من ملاحقة المتورطين في صناعة الفوضى والإرهاب في المنطقة، فخطوة التحقيق في ملف تسفير الشباب للقتال في بؤر التوتر خطوة مهمة في ملاحقة صانعي الإرهاب والفوضى وقد يسهم التحقيق مع المقاتلين الشباب التونسيين المعتقلين في ليبيا وسوريا، في إثبات قاطع لتورط حركة «النهضة» وجماعة «الإخوان» في ليبيا وسوريا في هذا الملف، فالتسفير وإن كان أغلبه من الشباب التونسي، فإن الشباب الليبي أيضاً تم التغرير به ونقله للموت بالمجان في سوريا والعراق من دون أي قضية تخصه.