سياسة

النمسا.. نهاية البيت الآمن لإخوان أوروبا


أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا، تصدق هذه القاعدة مع حال ومآل علاقة الأوروبيين بجماعات الإسلام السياسي، وفي سويداء القلب منها جماعة الإخوان المسلمين، الحاضنة التاريخية لكل جماعات الشر التي نشرت إرهابها في فضاء العالم برمته، شرقا وغربا، عربا وعجما.

ما جرى في العاصمة النمساوية الهادئة التي ما عرفت الإرهاب ولا العنف منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ربما استدعى إطلاق نوبة استيقاظ تجاه ما جرى على أراضي الجمهورية النمساوية منذ أكثر من خمسة عقود، وذلك حينما تسرّبت جماعات إخوانية هاربة من مصر، بقيادة القطب الإخواني الكبير، الملياردير يوسف ندا، وبرفقته صهر حسن البنا سعيد رمضان، ووجدوا هناك ما يكفي من قوانين تحترم الحريات، فتدثروا بأرديتها، لينشروا أفكارهم، ويرتبوا أوراقهم، وليقيموا إمبراطورية للشر داخل أوروبا، وبنوع خاص من لندن إلى فيينا.

من لهم دلة على متابعة وتحليل الحضور الإسلاموي في أوروبا، يدركون كيف أن جماعة الإخوان المسلمين، قد نجحت في المراوغة والتهرب من الرقابة الأمنية الأوروبية، وذلك من خلال خطط محكمة للخداع.. كيف ذلك؟ 

الذين طالعوا كتاب “التاريخ السري لتآمر بريطانيا مع الأصوليين”، لمؤلفه البريطاني “ريتشارد كيرتس”، يوقنون أن الجماعات الإخوانية الإسلامية قد اتخذت من العاصمة البريطانية مقرا لها، وأنها تدير أعمالها من هناك، بل إن قيادة التنظيم الدولي لجماعة الإخوان توجه كل جماعات الإرهاب الأصولي في أوروبا والعالم العربي من مكاتبها الفخمة في العاصمة التي أطلق عليها الكاتب لفظة “لندنستان”، على غرار أفغانستان.

لكن الواقع الخفي يخبرنا بأن البيت الآمن لإخوان أوروبا، كان قائما في فيينا، والتعبير هنا استخباري تستخدمه الأجهزة الأمنية حين تحاول الاختفاء أو الاختباء عن أعين أجهزة مكافحة الجاسوسية في الدول الأخرى.

هل جاءت الحملة النمساوية المكثفة الأيام القليلة الماضية على مراكز ومقار تعمل لصالح جماعة الإخوان المسلمين في النمسا كردة فعل طارئة وسريعة فقط على حادث النمسا الإرهابي الأخير والخطير؟ 

بالقطع، لا يمكن أن تكون لوجيستيات تلك المداهمات أمرا وليد اللحظة، بل هي نتاج مراقبة وتدقيق ومتابعة وتحليل لما يجري على أراضي بلد الموسيقى والساحات الفنية الجميلة.

والشاهد أنه منذ عام 2017 والعقول النمساوية تعمل في صمت وسرعة كبيرين، وذلك لملاقاة الأسوأ الذي لم يأتِ بعد، وقد أعدت في ذلك الوقت دراسة مهمة وفاعلة قامت عليها وزارة الاندماج وجامعة فيينا الحكومية، وقد أطلقت تحذيرا عاليا ومثيرا للقلق لفتت فيه الأنظار إلى تنامي نفوذ الإخوان في النمسا، وربما الأخطر من نفوذهم المباشر، هو المساحة التي يمتد فيها هذا النفوذ، والذي يتجاوز العاصمة فيينا إلى عدة مدن نمساوية، وفي مقدمتها مدينة جراتس.

هل جاء اختيار هذه المدينة على عجل أم أن الاختيار جرى بهدوء، لا سيما أن القضية لها أطراف أشمل موصولة بالحضور الإخواني في عموم أوروبا، وبريطانيا بنوع خاص؟ 

ليس سرا أن الحوادث الإرهابية الأخيرة التي شهدتها لندن وغيرها من المدن البريطانية، استدعت مراجعة خاصة من جهازي الاستخبارات البريطانيين الشهيرين الداخلي “أم-5″، والخارجي “أم-6″، ولم يكن الأمر ليغيب عن أعين الإخوان المخترقين للكثير من دروب صناعة القرار في بريطانيا عبر عقود طوال خلت، وهو ما بات يهدد حضورهم التقليدي، ومكتسباتهم التاريخية لا في الداخل البريطاني فحسب، بل في عموم القارة الأوروبية. 

ما الذي جرى منذ عام 2014 وحتى الساعة داخل أروقة الجماعة الإخوانية في أوروبا؟ 

باختصار غير مخلٍّ، كان السعي يجري على قدم وساق من أجل إيجاد بديل مكاني سريع يتمتع بأجواء هادئة لا تلفت الأنظار، ومن هنا كان القرار الإخواني الحاسم والحازم بنقل مقرات الجماعة الرئيسية إلى مدينة جراتس النمساوية، وهو الأمر الذي أكدته صحيفة “ديلي ميل” البريطانية الشهيرة قبل بضعة أعوام. 

هل خسرت جماعة الإخوان المسلمين وبقية الجماعات الإرهابية التي تدور في فلكها الكثير جدا بعد الضربة الأمنية والاستخبارية الموجعة التي تلقتها في النمسا الساعات والأيام الماضية، والتي ينتظر لها أن تطول، وتستمر، بل تتعمق وتتجذر، لا سيما بعدما أدرك النمساويون عن بكرة أبيهم أن خطر تلك الأصولية، يتماهى طولا وعرضا، شكلا وموضوعا، مع التوجهات سيئة الذكر للنازية؟ 

في واقع الأمر، لم يكن اختيار النمسا من قِبل الجماعة الإرهابية اختيارا عشوائيا، فالنمسا تقع في القلب من أوروبا، شرقا وغربا، الأمر الذي يجعل منها منطلقا جيدا للتحرك لمن يشاء، وكيفما يشاء، وما يسهل التواصل والتلاقي، وعقد الاجتماعات وتنسيق المواقف.

عطفا على ما تقدم فقد عملت الجماعة على استغلال مساحات الحرية الواسعة جدا، وكذا التمويلات التي توفرها الدولة للمجموعات العرقية المهاجرة، من أجل حثهم على مزيد من الاندماج ضمن صفوف الشعب النمساوي، الأمر الذي ترجم في أموال تنفق على مدارس تلك الأقليات وجمعياتهم المدنية وأنشطتهم الثقافية، وهذه جميعها كان يجري تحويلها وتحويرها لصالح الأنشطة الإخوانية، وعلى عكس ما كان المأمول منها.

عطفا على ما تقدم، اعتبرت النمسا، ولا تزال، “البيت الآمن”، الذي يوفر لعقول الإخوان الكبيرة والخطيرة، مكانا للاختباء إلى حين لحظات التمكين، والمثال على ذلك المدعو “أيمن علي”، الإخواني الخطير الذي عمل كبير أئمة في مدينة جراتس النمساوية لسنوات طوال، قبل أن يعود إلى مصر ليقفز مرة واحدة إلى منصب مستشار لمحمد مرسي، خلال السنة الظلامية لحكم الإخوان لمصر، قبل أن يخرج ملايين المصريين لينادوا بصوت واحد “يسقط.. يسقط.. حكم المرشد”. 

هل هناك أثر سيئ لهذا الوجود الإخواني في النمسا على عموم المسلمين في القارة الأوروبية؟ 

أحد أهم الباحثين والخبراء الذي لفت إلى هذا الإشكال، مؤخرا، “لورينزو فيدينو”، مدير برنامج دراسات التطرف في جامعة جورج واشنطن، والذي أشار في دراسة معمقة له إلى أن الإخوان يقومون بنشر التطرف والتعصب ضمن صفوف المسلمين كافة، ويستهدفون بنوع خاص الأجيال الجديدة المولودة على الأراضي الأوروبية، الأمر الذي يعمّق الشرخ المجتمعي بقوة.

كارثة الأخونة التي تعيشها أوروبا، ولا سيما الدول الإسكندنافية التي انطلت عليها البكائيات الإسلاموية المغشوشة، تنتشر كالنار في الهشيم من السويد إلى النرويج مرورا بالدنمارك ووصولا إلى فيينا، حيث يتحصلون على ملايين الدولارات من الحكومات، يستخدمونها تاليا في أعمال العنف والإرهاب داخل أوروبا وخارجها.

ما تشهده أوروبا اليوم هو عودة الوعي للتفريق بين الخطر الإسلاموي، وبين صحيح الإسلام، مع الانتباه إلى مزالق الإسلاموفوبيا في كل الأحوال.

الخلاصة.. المكر الإخواني لا يفيد.

نقلا عن العين الإخبارية

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى