سياسة

النفوذ الإيراني في العراق يتراجع بفعل ضغوط داخلية وخارجية

 


أفاد تقرير لمجلة “إيكونوميست” البريطانية أن هيمنة النظام الإيراني على العراق آخذة في التراجع، وبدا ذلك واضحا بتجنب الحكومة العراقية الانخراط في الحرب التي استمرت 12 يومًا بين إيران وإسرائيل، وقد برزت أدلة على تراجع نفوذ طهران ومصداقيتها بين العراقيين بتأثير التطورات الإقليمية.

وذكر التقرير أن هناك ثلاثة أسباب رئيسة لتراجع النفوذ الإيراني في العراق، أهمها ظهور جيل جديد من السياسيين في العراق “الذين وصلوا من الاحتجاجات المناهضة للحكومة في عام 2020 ويعارضون الميليشيات المدعومة من إيران بصوت أعلى من ذي قبل”.

وبعد مقتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، في يناير/كانون الثاني 2020، تراجعت سيطرة إيران على الميليشيات والجماعات الوكيلة التي تدعمها في العراق، وتحول الكثير منها إلى القضايا العراقية الداخلية.

وذكر مسؤول عراقي كبير للصحيفة البريطانية، أن إسماعيل قاآني، خليفة سليماني والقائد الحالي لفيلق القدس “لا يمتلك مهارة سليماني في إدارة المصالح المتضاربة للفصائل المختلفة في العراق”.

ولفت إلى عامل آخر تم الاستشهاد به باعتباره مساهمًا في تراجع نفوذ النظام الإيراني في العراق، وهو “تحول الميليشيات إلى قوى سياسية وذوبانها في النظام البيروقراطي والاقتصاد العراقي”.

وبين أن إيران، من أجل توسيع وتعميق نفوذها في العراق، مهدت الطريق أمام أعضاء الميليشيات للدخول إلى النظام السياسي والاقتصادي العراقي.

وفي الوقت الحالي، يمتلك أعضاء هذه الجماعات مصالح اقتصادية واسعة، ويسيطرون على وزارات مهمة، بما في ذلك تلك المرتبطة بصادرات النفط والمعادن، وحتى وقت قريب، كان لهم نفوذ كبير حتى في المحكمة العليا العراقية.

وبحسب التقرير، فإن الأعضاء السابقين في الجماعات التابعة لإيران، الذين أصبحوا الآن قوى سياسية ثرية في الحكومة والاقتصاد العراقيين، على عكس الماضي، “لديهم الكثير ليخسروه إذا دخلت بلادهم في حرب مع الولايات المتحدة أو إسرائيل، ولهذا السبب يتزايد غضبهم من دور العراق كدولة تابعة للحكومة الإيرانية”.

وبناء على هذه الأدلة، خلص تقرير “الإيكونوميست” إلى أن ضعف معنى “المقاومة” أصبح واضحًا خلال حرب إيران مع إسرائيل والولايات المتحدة، عندما لم يقدم حتى أقرب حلفاء الحكومة الإيرانية في العراق الكثير من المساعدة للجمهورية الإسلامية خوفًا من الانتقام من الولايات المتحدة أو إسرائيل.

ويُعد العراق أحد أهم البلدان بالنسبة لإيران، سواء من الناحية الاقتصادية أو الاستراتيجية. فهو خامس أكبر منتج للنفط عالميًا، ويعمل كمنفذ لتجاوز العقوبات المفروضة على طهران. إضافة إلى ذلك، تهيمن الميليشيات العراقية الموالية لإيران، مثل عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله، على أجزاء واسعة من الاقتصاد العراقي، مما يسمح لطهران بتمويل عملياتها في المنطقة عبر شبكات تمتد إلى النفط، والاتصالات، والسياحة الدينية، والبنية التحتية.

وساهمت التطورات الأخيرة بتغيير المشهد الإقليمي، حيث فقدت إيران السيطرة على اثنتين من العواصم الأربع التي كانت تتباهى بها، فحرب إسرائيل ضد حزب الله أضعفت سيطرة الجماعة على بيروت، كما خسرت سوريا مؤخرا لصالح منافسين آخرين في المنطقة وباتت أميركا أمام فرصة حقيقية لتغيير الأوضاع السياسية في العراق وتعزيز نفوذها.

ورغم النفوذ الإيراني الكبير في العراق، فإن التطورات الأخيرة أظهرت مؤشرات على تراجع قبضتها. فالميليشيات المدعومة من إيران امتنعت عن مهاجمة القوات الأميركية منذ ديسمبر/كانون الأول 2024، ما يشير إلى خشيتها من رد فعل واشنطن. كما قدمت حكومة محمد شياع السوداني، المدعومة من إيران، عدة تنازلات للولايات المتحدة، مثل إطلاق سراح الباحثة إليزابيث تسوركوف، وتمرير تعديل مالي قد تم رفضه سابقا لصالح الأكراد المتحالفين مع أميركا.

ولا ترتبط أهمية العراق لإيران بالاقتصاد فحسب، بل أيضًا بالرمزية السياسية والدينية. إذ يُشكل العراق عمقًا استراتيجيًا لإيران، حيث يسافر ملايين الإيرانيين سنويًا للحج والأعمال. لذلك، فإن أي تراجع للنفوذ الإيراني في العراق قد يؤدي إلى انعكاسات داخلية على استقرار النظام الإيراني نفسه.

وذكر تقرير لمجلة فورين أفيرز أنه رغم الفرصة المتاحة أمام واشنطن لتقليص نفوذ طهران في العراق، فإن إيران لا تزال تمتلك أدوات قوية للحفاظ على سيطرتها. فهي قادرة على التأثير في الانتخابات العراقية، كما فعلت في 2018 عندما دعمت عادل عبد المهدي، وكذلك في 2021، عندما تمكنت من التلاعب بتشكيل الحكومة بقياد السوداني على الرغم من خسارة الفصائل الموالية لها في الانتخابات.

كما أن إيران تمتلك نفوذًا سياسيًا وعسكريًا يسمح لها بالتدخل عند الحاجة، سواء من خلال فرض رئيس وزراء موالٍ لها، أو استخدام الأراضي العراقية لشن هجمات. لذلك، فإن إضعاف سيطرتها يتطلب مواجهة مباشرة من قبل واشنطن، عبر فرض عقوبات على الشخصيات العراقية المتعاونة مع طهران، ووقف الدعم للحكومات التي تخدم المصالح الإيرانية.

 

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى