سياسة

“المنصة 2”.. اللعب بالنار مع الكبار


قرابة ستة أشهر فصلت المدة بين جزأي مسلسل “المنصة” الإماراتي؛ الأول والثاني.

فترة من الترقب والانتظار عشتُها وأنا أتقصى أخبار الموسم الثاني من هذا العمل الدرامي المشوّق، قبل أن يعلن أخيراً مؤلفه الصديق السيناريست هوزان عكو موعد العرض، وهو الأول من أبريل/نيسان 2021 على قناة أبوظبي وشبكة نتفليكس، لتبدأ رحلتي مع العيش في ثنايا قضايا الإرهاب في واحدة من أكثر مناطق العالم سخونةً بالأحداث؛ سوريا.

ثماني حلقات من الدهشة والإقناع والإثارة غلّفت فكرة العمل، بالغوص في واقع الفصائل المتحاربة في سوريا وكواليسها، التي فشلت في مواجهة الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، لتعيث فساداً على أرض سوريا، دون أن تكون لها رؤية أو رسالة من شأنها بناء بلد دخلت أحداثه عامها الحادي عشر، ثم تتكشف أكثر أوجه الزيف والخداع عن التنظيمات الإرهابية التي ترتبط بأجندة خارجية تدير دفة الصراع السوري من دول أخرى، بل وتنشر سمومها في مختلف دول العالم.

وكأول مسلسل إماراتي يُعرض على نتفليكس، وبين تجربتين متميزتين لمخرجين بارزين هما الألماني رودريغو كريشنار في الموسم الأول، والمصري ياسر سامي في موسمه الثاني، ثمة عمل مهم “المنصة”، هو بمثابة وثيقة سياسية لبيئة زمانية هي “الآن” وحرب تدور رحاها الآن في مناطق مضطربة من سوريا “بيئة مكانية”، ربما تكون في أي من المناطق التي احتلتها فصائل مدعومة من تركيا وتطبق نهج جماعة “الإخوان المسلمين” الإرهابية وممارسات تنظيم “داعش” الإرهابي، وهذه البيئة المكانية – الزمانية ليست أساسية بقدر ما أن المأساة الإنسانية التي خلّفها الإرهاب في سوريا جعلت كل الأمكنة متشابهة في مصائرها المحتومة، والزمن شاهد على كل شيء.

علينا أن نعلم أنه في موازاة المكان البطل “سوريا” هناك المكان البطل الرئيسي “أبوظبي”، هذا المكان صاحب الدور الكبير في إدخال الانسيابية والتناغم والانسجام في العمل، والعزف على الأوتار النفسية للمشاهد، وتحقيق التوازن السيكولوجي الواضح لأبطال العمل والمشاهدين معاً، وتهدئة المشاعر الإنسانية التي كانت تتغير وفق أحداث المسلسل الملتهبة، لتكون العاصمة الإماراتية مثالاً للأمان والسلام والتسامح والعلوم المتقدمة، وبالتالي سلاحها هو “القوة الناعمة” في وجه الإرهاب القاسي.

في “المنصة 2″، نحن أمام حرب المعلومات والبيانات والإنترنت التي يقودها صاحب موقع “المنصة” كرم ضد فكر التخلف والجهل والقتل، وكذلك حكاية أخيه آدم المتورط مع الإرهابيين، بسبب نهج والده الإرهابي الذي لم تعلمه سنوات السجن الرأفة والحق والعدالة.. نحن أمام حرب الاستخبارات والعمالة وتجار الدم في مواجهة الضحايا الذين لا حول لهم ولا قوة.. أمام قصة بلد لم يُشفَ من جراحه الكثيرة بعد أن تكالبت عليه مراكز النفوذ في العالم وجعلت أرضه ساحة تصفية للصراعات التي يقودها الكبار ويدفع ثمنها الصغار.

بدا “المنصة 2” قريباً من تحقيق تلفزيوني استقصائي يسعى لكشف حقائق خطيرة جداً، بملامسة خيوط قضية إرهابية لتنظيمات تعمل على الأرض السورية، ما يشبه إلى حد ما مسألة اللعب بالنار واللعب مع الكبار كما يُقال، هذه النار التي لم تتحول إلى هشيم ولم تنطفئ بعد، لكن المعادلة هنا تختلف عن المعنى التقليدي لمقولة “النار والكبار”، إن جاز القول، لأن الصراع في المسلسل هو بين المعلومة والرصاصة، بين الدين والتكفير، بين التسامح وعدمه، بين الحياة والقتل، بين الشيء واللاشيء.

“المنصة 2” مسلسل أنتجته شركة “فيلم جيت” بالتعاون مع “الكلمة للإنتاج”، بإشراف عام وفني للمنتج الإماراتي منصور اليبهوني الظاهري، لا يمكن المرور عليه بشكل سريع، إلا أنه مهمة جديدة استكملت موسمها الأول بنجاح باهر، وحافظ على مستوى عالٍ من المشاهدة، مراهناً على شخصيات كبيرة شاركت فيه وعاشت أدوارها بكل إخلاص، وذلك في موسمه الذي شاهدته خلال يومين فقط، لأتذكر صديقاً إماراتياً عزيزاً وهو ينصحني بمشاهدة المسلسل في موسمه الأول قبل شهور بكل حب وحماسة.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى