سياسة

المنافسة بين أردوغان وعمدة اسطنبول الجديد انتهت أم لم تبدأ بعد؟


يعتبر مبنى مجلس مدينة اسطنبول عبارة عن مبنى عصري ضخم في قلب شبه الجزيرة التاريخية بالمدينة، والتي تزخر بالمساجد العثمانية وبقايا الكنائس البيزنطية. وحسب ما جاء في مقدمة مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست عن المعلق السياسي التركي والباحث البارز في المجلس الأوربي للعلاقات الخارجية، أسلي أيدينتاسباس، فحداثة المبنى تعكس في منتصف القرن تطلعات الجمهورية الفتية في أوائل الخمسينيات، عندما كانت تركيا على وشك الانضمام إلى حلف الناتو، حريصة على المطالبة بمكانها في الغرب والانضمام للاتحاد الأوربي.

ممارسات أردوغان والركود

يشكل هذا الصرح أكثر من مجرد تناقضات تركيا مع ماضيها، حيث يشهد حاليا ساحة المعركة المركزية من أجل إبقاء الديمقراطية التركية على قيد الحياة منذ إحراز المعارضة الفوز في الانتخابات المحلية الشهر الماضي، وحاليا يحتل أكرم إمام أوغلو، منصب عمدة اسطنبول، من أجل تحرير المدينة من 25 عامًا، الفترة التي هيمن فيها حزب العدالة والتنمية المحافظ AKP، بعد أن تكلل جهده بالنجاح في نهاية مارس الماضي بعد حملة شرسة.

وعلى الرغم من سيطرة الحكومة الكاملة على وسائل الإعلام في وقت الانتخابات، والاستخدام العشوائي لموارد الدولة والاتهامات التي لا هوادة فيها بدعم الإرهاب ضد منتقديها. فقد فاز مرشحو المعارضة بالمدن الرئيسية في أنحاء تركيا باستثناء مدينة واحدة، ويعتبر هذا التصويت بمثابة رفض لاستبداد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المتزايد، و أيضًا كرد فعل لسوء إدارة الاقتصاد الذي أدى إلى الركود.

معركة حياة أو موت

وقد تنافس إمام أوغلو أمام رئيس الوزراء السابق بن علي يلدرم. بينما كان يتنافس في الواقع مع أردوغان، والذي كان يعقد ما يصل إلى 8 تجمعات انتخابية في اليوم؛ وقال: إذا خسرنا اسطنبول، فقدنا تركيا. وفي عام 1994 اكتسب أردوغان مكانة بارزة في السياسة عندما أصبح عمدة اسطنبول. لتظهر بعد ربع قرن من الزمان المدينة التي شهدت انطلاق انتصاراته في السياسة الوطنية أمام العالم أنه يمكن هزيمته.

إمام أوغلو، رجل في الأربعينيات من عمره، ويتصف بهدوء الطباع والاتزان كما يجيد التعبير عن آرائه. وقد اشتغل في منصب عمدة مقاطعة بيليكدوزو، ذات دخل منخفض في اسطنبول، وقد حاز إعجاب السكان المحليين من خلال الخدمات البلدية التي قام بتقديمها وما تم إنشاؤه من الحدائق والمساحات الخضراء. وتعتبر اسطنبول من بين المدن الصاخبة ويقطنها 16 مليون نسمة، يعانون من الازدحام المروري وأميال طويلة من الخرسانة، كما يشتاق سكانها لشيء اسمه المساحات الخضراء. وقد اندلعت الانتفاضة الهائلة المناهضة للحكومة في عام 2013 كرد فعل على خطة لتحويل حديقة غزي العامة في وسط المدينة إلى مركز تجاري.

مهارة في بناء التحالفات

وقد حقق إمام أوغلو ببساطة الانتصار، إذ يمثل الأمل في تحويل المدينة لتصبح ملائمة للعيش بشكل أفضل، في حين تتمثل قدرته الحقيقية في بناء التحالفات. إلى جانب تأييد ودعم كل من العلمانيين والليبراليين فقد نجح إمام أوغلو، في الفوز بأصوات الأكراد ومجموعة صغيرة من المحافظين الغاضبين، حيث انتزع الفئتين الأخيرتين، اللتين كانتا قد تأثرتا في الماضي بوعود أردوغان بالإصلاح، لكنهما اليوم يعبران عن استيائهما بسبب الوضع السيء، والذي سبق أن تم استدراجهما إليه.

أردوغان على المحك

يتجاوز التصويت لصالح إمام أوغلو في الانتخابات مجرد الانطباع والشعور الجيد واستحسان دعوات التضامن مع الجيران، وسيصبح تجسيدا واقعيا على القدرة على تغيير المسار السياسي لتركيا. منذ فترة طويلة واسطنبول تقوم بتمويل شبكات رعاية وحملات حزب العدالة والتنمية. وتعتبر المدينة الأكثر ازدحامًا بالسكان من معظم الدول الأوروبية حيث تبلغ ميزانيتها حوالي 10 مليارات دولار. ويتم استغلال جزء من تلك الأموال لدفع رواتب الموالين لأردوغان، وتمويل المؤسسات المرتبطة بحزب العدالة والتنمية والشركات والصحف المؤيدة للحكومة والحملات الانتخابية. وحاليا ستنتقل السيطرة على ميزانية اسطنبول إلى شخص آخر.

يعلم أردوغان أنه أصبح على المحك، لذلك فالمعركة من أجل اسطنبول لم تنتهِ بعد. حيث يسعى حزب العدالة والتنمية لإلغاء نتائج اسطنبول بسبب مزاعم بارتكاب المعارضة لمخالفات. بينما تشهد الأسواق حالة من التوتر المصحوب بالقلق من احتمال إجراء انتخابات جديدة، إلى جانب الأزمة بسبب رفض واشنطن قيام تركيا بشراء نظام صاروخي روسي الصنع.

إمام أوغلو يستعد لمعارك شرسة

وحسب كل هذه المعطيات، فإمام أوغلو يحتاج إلى الاستعداد لخوض معركة صعبة. وهو يستعد لتنفيذ عدد من الخطط  من أجل التغلب على العقبات المالية المحتملة، والتي ربما تضعها أنقرة في طريقه، منها الحاجة الملحة لمساعدة نحو مليون لاجئ في اسطنبول. ويعبر إمام إوغلو عن حماسه للعمل بجدية ويبدو متأكدا من أنه يمكن أن يتبع مسارًا مختلفًا عن الحزب التي ميز عهد أردوغان.

كما عبر إمام إوغلو بمهارة وذكاء عن توجه جيد لتهيئة الأجواء لمصالحة مجتمعية ودعوة لتوحيد وتضافر جهود جميع العاملين والموظفين بصرف النظر عن انتماءاتهم السياسية وأن يضعوا نصب أعينهم هدفا واحدا هو تحقيق أفضل خدمات لمدينة اسطنبول.

مرحلة التطبيع التركية

وإذا ما حصل إمام أوغلو وغيره من رؤساء البلديات الفائزين من أحزاب المعارضة على الفرصة الكاملة للعمل بدون عراقيل، فستكون هناك فرصة أن تدخل تركيا أخيرًا فترة التطبيع.

ستتحول البلديات إلى مراكز قوة جديدة وتوفر مساحة تنفس للمواطن العلماني أو الديمقراطي. بل الأهم من ذلك هو أن المنشقين عن صفوف حزب العدالة والتنمية، مثل رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو أو الرئيس السابق عبد الله جول، الذين ينتقدون صراحة سياسات أردوغان، سيقومون بالتشجيع على قيادة الحركات السياسية الجديدة.

إعلان وفاة الديمقراطية

وسيتعين على أردوغان تخفيف السياسات القمعية. وربما لن يقبل أردوغان هذا الوضع، وإذا ما نجح في تغيير نتائج انتخابات اسطنبول، فستدخل تركيا فترة من عدم الاستقرار، مع المزيد من الاستبداد المؤسسي. منذ عام 1946، لم يتم الطعن في شرعية الانتخابات في تركيا، وحتى الطغمة العسكرية قبلت الهزيمة في الانتخابات الأولى بعد انقلاب 1980. ومن خلال تدمير شرعية الاقتراع، سيعلن أردوغان فعليًا عن وفاة الديمقراطية التركية.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى