المغرب يوازن بين العروض الأميركية والبرازيلية لتحديث أسطوله الجوي
تواصل المملكة المغربية خطواتها المتسارعة لتحديث قدراتها العسكرية، مع تركيز ملحوظ على تطوير سلاح الجو الملكي، في إطار رؤية استراتيجية تستهدف تعزيز الجاهزية القتالية، وتكريس مكانة الجيش المغربي كقوة إقليمية صاعدة في شمال إفريقيا وفي المنطقة ككل.
في هذا السياق، تخوض القوات الجوية الملكية المغربية مفاوضات لحسم واحدة من أبرز صفقات التحديث الدفاعي في السنوات الأخيرة، تتعلق بتجديد أسطول طائرات النقل العسكري التكتيكي، في خطوة تؤكد طموح المغرب لبناء منظومة دفاعية متقدمة، متعددة المهام، ومتماشية مع المعايير الدولية الحديثة.
تتجه الرباط نحو اقتناء طائرات نقل جديدة تحل محل أسطولها الحالي من طائرات C-130 Hercules، التي خدمت لعقود وكانت إحدى ركائز العمليات الجوية المغربية. وقد دخلت شركتان عملاقتان السباق لتأمين الصفقة، وهما: الشركة الأميركية “لوكهيد مارتن” التي تعرض النسخة المطورة C-130J Super Hercules، و”إمبراير” البرازيلية التي تقترح طائرتها الحديثة KC-390 Millennium.
وتبلغ القيمة التقديرية للصفقة أكثر من 600 مليون دولار، وتشمل ما بين أربع وخمس طائرات جديدة، وفقًا لما أورده موقع “ميليتري أفريكا” المتخصص في الشؤون الدفاعية. لكن الطائرات ليست سوى جزء من رؤية أوسع لتطوير البنية العسكرية الجوية للمملكة.
ولا تفهم خطوة تحديث الأسطول فقط من منظور تقني أو لوجستي، بل تأتي ضمن خطة شاملة أعلنت عنها الرباط لتعزيز ميزانية الدفاع، التي ارتفعت في عام 2024 إلى 12.88 مليار دولار، بزيادة تتجاوز نصف مليار دولار عن السنة الماضية.
وتعكس هذه الزيادة رغبة المغرب في تحسين قدراته على الردع، ومواجهة التحديات الأمنية المتعددة، من النزاع الإقليمي في الصحراء، إلى التهديدات العابرة للحدود في منطقة الساحل، مرورًا بالتحديات المرتبطة بالهجرة غير النظامية، والإرهاب، والجريمة المنظمة.
وفي سياق توجهه نحو تنويع مصادر التسلح، يُظهر المغرب انفتاحًا على شركاء غير تقليديين مثل البرازيل، إلى جانب حلفائه التقليديين في الغرب. ويظهر ذلك في مفاوضات شراء الطائرات البرازيلية، التي لا تُقدَّم فقط كحل تقني، بل كمشروع صناعي طويل المدى.
فقد قامت شركة “إمبراير” في مارس/اذار 2024 بتنظيم تجارب طيران لطائرتها KC-390 في قاعدة القنيطرة الجوية، بحضور أطقم مغربية، في محاولة لإظهار جاهزيتها للعمل في البيئات القاسية التي يتطلبها المسرح العملياتي المغربي، من الصحارى إلى السواحل.
كما وقّعت “إمبراير” مذكرة تفاهم مع الجانب المغربي لإنشاء مركز طيران متكامل داخل المملكة، باستثمار يتجاوز مليار دولار حتى عام 2035. المشروع يُتوقع أن يُساهم في نقل التكنولوجيا، وخلق فرص عمل، وتكوين كوادر فنية مغربية في مجال صناعة الطيران العسكري، ما يعزز الاكتفاء الذاتي الصناعي على المدى البعيد.
في المقابل، تراهن شركة “لوكهيد مارتن” الأميركية على العلاقة التاريخية التي تربطها بالقوات المسلحة الملكية، خاصة أن طائرات C-130 كانت جزءًا لا يتجزأ من أسطول النقل الجوي المغربي منذ سبعينيات القرن الماضي.
وتعتمد النسخة الجديدة C-130J على محركات “رولز رويس” أكثر تطورًا، وأنظمة ملاحة رقمية، وقدرات أكبر على الإقلاع والهبوط في بيئات غير مهيأة، ما يجعلها خيارًا مجربًا، يحظى بثقة عدد من الحلفاء الغربيين.
كما تستفيد الشركة الأميركية من وجود مركز صيانة معتمد لها في مدينة بنسليمان المغربية، ما يعزز عرضها اللوجستي، ويقلل من تكاليف الصيانة والتشغيل للقوات الجوية الملكية.
الجهود المغربية لا تقتصر على التحديث الجوي، بل تندرج في إطار إستراتيجية دفاعية متكاملة تعمل على تطوير قدرات القوات المسلحة البرية والبحرية، وتعزيز قدراتها السيبرانية والاستخباراتية. ومن خلال عدد من الاتفاقيات العسكرية الثنائية، أبرم المغرب شراكات متنوعة مع قوى عالمية مثل الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، إسرائيل، والصين.
هذه الشراكات لا تقتصر على شراء الأسلحة، بل تمتد إلى التدريب المشترك، وتبادل الخبرات، وتطوير الصناعات العسكرية المحلية، ما يجعل الجيش المغربي لاعبًا فاعلًا في محيطه الإقليمي، وقادرًا على التدخل في عدد من الملفات الأمنية الحساسة.
الاختيار النهائي بين C-130J وKC-390 لم يُحسم بعد، لكن ما هو واضح أن المغرب يتخذ قراراته العسكرية في ضوء رؤية استراتيجية متكاملة، تتجاوز مجرد التزود بالمعدات، إلى بناء قاعدة دفاعية محلية مستدامة.
وفي الوقت الذي تستمر فيه الضغوط الإقليمية والتهديدات غير التقليدية، فإن تطوير سلاح الجو المغربي يمثل أداة حاسمة لضمان التفوق العملياتي، وردع أي تهديدات محتملة، مع الحفاظ على قدرة المملكة على التحرك الإنساني والعسكري السريع داخل وخارج حدودها.