سياسة

المعارضة التركية في مواجهة أردوغان


وسط تراجع شعبيته، خصوصاً عقب أداء حكومته المتردي خلال انتشار كورونا.

 استبق أردوغان الأحداث بإعداد مشروع يضم تعديلات على قانون الانتخابات الرئاسية، ويأتي تحركه لتغيير الدستور بمثابة سحب الورقة الدستورية الرابحة للمعارضة، والتي كانت تستعد لتشكيل لجنة دستورية مشتركة، للانتقال إلى النظام البرلماني وعلى أرضية أكثر شرعية، والتعديل الدستوري الذي ورد ذكره على لسان أردوغان له مقاصد معينة وأهداف مشبوهة بالنسبة له وللحزب الحاكم.

والهدف الأول من وراء التعديل هو المؤشرات التي تنبئ بأن أردوغان سوف يفشل في الحصول على أغلبية الأصوات في الانتخابات المزمع تنظيمها في 2023م، أو حتى في الانتخابات المبكرة، لذلك هذا التعديل الدستوري سوف يسهل الفوز لأردوغان، وذلك ضمن جولة واحدة بدلاً من جولتين وإلغاء النسبة الاعتيادية للفوز، ويقترح النظام بدلاً من نسبة 51 أن يقر القانون الجديد فوز المرشح الحاصل على أكثر الأصوات حتى ولو كانت نسبة التصويت لصالحه أقل من 50 بالمئة.

ويرتبط التعديل أيضاً بمحاولات ترتيب البيت الداخلي، من أجل منع المعارضة التركية، خاصة الأحزاب الصغيرة، من الدخول في البرلمان التركي، بما فيها حزب الشعوب الديمقراطي الكردي الممثل في البرلمان التركي بخمسة وستين نائباً، ويشمل التغيير إدخال مواد جديدة تمكّن المحكمة العليا في إغلاق الأحزاب ومنعها من إجراء الفعاليات السياسية.

وتلك التعديلات من الصعب أن يتمكن حزب أردوغان وحليفه من تمريرها دون الحصول على دعم من أحزاب أخرى، غير أنها تعكس حالة الخوف المطبقة على أردوغان من وجود مرشحٍ وحيد للمعارضة، يتمكن من الاستفادة من تراجع شعبيته وقلب المشهد السياسي، وبناء على ذلك يسعى الرئيس التركي إلى تشتيت المعارضة، وبالتالي ضمان وجود أكثر من مرشحٍ رئاسي لها، ما يعني فوز أردوغان أو مرشحه وإن لم يحصل على أغلبية أصوات الناخبين.

ويشهد حزب العدالة والتنمية تآكلاً في شعبيته في ظل استمرار نزيف الاستقالات التي تستفيد منها أحزاب المعارضة الجديدة، فيما يواجه الحزب الحاكم الذي يعيش منذ نحو سنتين على وقع انشقاقات في صفوف أبرز مؤسسيه وقياداته رفضاً لسياسات الحزب التي لا تتماشى مع احتياجات تركيا اقتصادياً وأمنياً وسياسياً، وجاءت استقالة داود أوغلو بعد شهرين على استقالة باباجان من “العدالة والتنمية”، وانخفاض عدد نواب الحزب بتركيا، إثر عمليات القمع والاستئثار بالسلطة، مع إعلان عضو سابق بحزب العدالة والتنمية تأسيسه لحزب سياسي جديد، حزب اتحاد الأناضول على يد رجل الأعمال بدري يالتشين، ويمكن إشهاره بعد انتهائه من جميع الإجراءات اللازمة.

زعيمة حزب الخير المعارض ميرال أكشينار خاطبت أردوغان: “ليكن في معلومك أنك إذا واصلت السير على هذا النحو، فهذه الأمة التي طالت معاناتها لن ترسلك إلى القمر، بل سترسلك إلى المنزل من خلال صناديق الاقتراع”، مشيرة بذلك إلى تصريحاته التي قال فيها إن تركيا تنتقل بقوة إلى أعلى المستويات في السباق العالمي نحو الفضاء وسترسل مركبة إلى القمر في 2023م، وتصريحاتها أدلت بها خلال اجتماع الكتلة البرلمانية لحزبها، وأردوغان لم يعد لديه شيء ليعطيه للأمة، وعليه أن يقر بهذه الحقيقة لأن التصور لا يكفي، واعتبر قليجدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، نظام أردوغان لا يحمل ذرة انتقاد له وهو بهذه الحالة النفسية يجر البلاد لكارثة ولا يمكن إدارة تركيا بشكل سليم.

مؤسس حزب الشباب المعارض في تركيا جَمْ أوزان، والذي يعيش في الخارج منذ سنوات، أوضح أنه تم انتخاب أردوغان مرتين، وبالتالي إذا لم يكن هناك تغيير دستوري فلا يمكن أن يكون مرشحاً مرة أخرى، ووفقاً للدستور الحالي لا يمكن انتخاب شخص واحد إلا مرتين، هل يقول اليوم إنه يستطيع أن يكون مرشحاً بدون تغيير دستوري؟ لا يستطيع لأن الدستور واضح، وكم مرة تم تغيير الدستور، لقد تغير كثيراً وآخر مرة عام 2017م.

وتمكنت المعارضة من الإلمام بالواقع التركي، وما زالت المعركة قائمة واحتدمت في الآونة الأخيرة، حتى إنها وثّقت ما يعتمل الساحة التركية جرّاء ما كان يقدم عليه أردوغان من تصرفات حمقى واجتراءات على أحزاب المعارضة وتطاولات عليها، ولا تليق برئيس ولا بأسس الديمقراطية، وتبدو انتقادات المعارضة الموجهة للنظام عميقة مبسوطة أمام الرأي العام، ولا غَرْو فيما ذهبت إليه فقد أبانت ما يعتري الواقع وما عادت تستمرئ سياسته البعيدة عن جوهر العقل، وما تطرحه المعارضة من قضايا حساسة تهم الشعب التركي ولا يعطيها أردوغان بالاً، وللحقيقة، لا يجهلها إلا جاهل ولا يغفل عنها إلا غافل.

والمعارضة التركية لن تسقط في متاهات العبثية الأردوغانية التي ارتضاها السلطان الحائر والبائد ولن تضلَّ قواها بمواجهتها لسياسته، خاصة لما يعتمل البلاد من حالات الفساد والانهيار، وأنها لن تخضع لنزواته الطائشة ولوسائله الجائرة بحق الشعب التركي، وهي ما انقادت إلى أعماله الجائرة أو خضعت لقراراته الممزوجة بسخافات الجهل والمرذولة بوطأة القهر، وأردوغان لم يستقم على أي منحى أو وجهة اتخذها أو طرحها ولا بلغ فيها شأواً وشأناً لصالح الشعب التركي، وما كانت تحركاته المشبوهة في الداخل التركي وخارجه إلا أنها محكومة بالانهيار وبالهيمنة على مقدرات البلاد، وهذه المواقف تتعاورها سياساته الملتوية، وفضائحه المبثوثة في كل مكان ومآلها الهلاك والثبور.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى