«الفيضان الأقصى»: كيف استخدم الحوثيون المهاجرين الأفارقة كوقود للحرب؟
انطلقوا من بلادهم هربًا من الأزمات، حالمين بمستقبل أفضل في رحلة يعلمون أنها قد لا تتوج بالنهاية السعيدة، إلا أنهم ما زالوا يحاولون.
إنهم المهاجرون الأفارقة، الذين هاجروا بلادهم في رحلات عبور وجهات بعضها النهائية أوروبا، إلا أن اليمن، الذي كان يعد ممر عبور لهؤلاء نحو غايتهم المنشودة، تحول إلى وجهة للموت، بعد أن تلقفتهم مليشيات الحوثي، ودفعت بهم كوقود معركة لا قبل لهم بها.
هذا ملخص تقرير جديد لمنظمة تعقب الجرائم المنظمة وغسل الأموال في اليمن (P.T.O.C)، سلط الضوء على انتهاكات الحوثيين ضد المهاجرين الأفارقة وتجنيدهم القسري.
التقرير الذي حمل عنوان «تمرد الأفارقة ضد الحوثيين» قدم معلومات تفصيلية عن المواقع الحوثية الخاصة لمعسكرات تدريب واستقطاب الأفارقة؛ أبرزها جامع الشهداء في صنعاء.
ووفقا للتقرير، فإن مليشيات الحوثي شيدت 4 مراكز تدريب عسكرية جديدة للأفارقة، تحت إشراف كبار قادة الجماعة منها في باجل بمحافظة الحديدة ليكون المسؤول عنه يوسف المداني، أما الجوف فالمسؤول عنه: بدر بازرعة، فيما المسؤول عن صعدة مطلق المرّاني، وحجة: عبدالله الطاووس.
وحدد التقرير قائمة من 15 اسما تبدأ بـ”تاجو شريف” وتنتهي بـ”محمد صالح ابراهيم سعيد”، لتورطهم في تهريب الأسلحة عبر البحر الأحمر، لوكلاء إيران في اليمن وفي القرن الأفريقي.
تمرد جامع الشهداء
وقال التقرير إن أبرز المعسكرات والمراكز التي شيدها الحوثيون للأفارقة، هو جامع الشهداء في باب اليمن بصنعاء والذي يتم من خلاله، أدلجة من تم استقطابهم عبر دورات طائفية تعد بمثابة جرع فكرية مقننة.
وأشار إلى أن المليشيات حولت جامع الشهداء إلى معسكر مفتوح للاستقطاب والتدريب، مؤكدًا أنها استقطبت في ليالي رمضان من العام 2023، دفعة من المهاجرين تضم 200 عنصر من جنسيات أفريقية مختلفة.
كما لقنت منتصف 2023 عددا كبيرا من الأطفال الأفارقة الموجودين في صنعاء في هذا الجامع من خلال مناهج ودورات طائفية قبل أن تزج بهم في الجبهات للقتال في صفوفهم.
وأشار إلى أنه في 4 أغسطس/ آب 2023 عقدت المليشيات دورة ثقافية للدفعة الثالثة، تتكون من 50 مهاجرا أفريقيا في الطابقين الأوّل والأرضي من جامع الشهداء.
عصيان
وكشف التقرير عن أن بعض المجاميع الأفريقية التي تتوافد على الجامع قامت مؤخّراً بعصيان ورفض أوامر الميليشيا الحوثية، احتجاجاً على الانتهاكات المتواصلة والمعاملة السيئة التي يلقونها، ما دفع المليشيات لقمعهم مما أسفر عن مقتل مهاجر وإصابة آخرين.
ولفت إلى أن المليشيات الحوثية تقدم -أيضا- تدريبات عسكرية للمهاجرين الأفارقة ضمن ما تسميه “القوات البحرية”، ويشمل ذلك السباحة على مسافة من 4 إلى 5 كيلومترات مقابل 500 دولار كمرتّبات شهرية.
وأكد أنه عقب إنهاء هذه التدريبات، أصدر رئيس أركان الحوثيين هاشم الغماري، توجيهات باستدعاء تلك العناصر إلى صنعاء لأجل إلحاقهم بجامع الشهداء، لإخضاعهم لدورات ثقافية طائفية لما يقارب الشهر.
وأوضح أن هذه الدفعة تلقت معاملة عنصرية من قبل «الحوثي» داخل جامع الشهداء مما أدى إلى تمردهم ضدها، لتلجأ المليشيات لإرسال قوة لقمعهم تحت مسمى “مكافحة الشغب”، بعيدا عن الإعلام والمنظمات الحقوقية.
وأضاف، أن مشادة كلامية حصلت بين قائد مليشيات الحوثي ومشرف الدفعة الأفريقية نتج عنها تصفية مشرف الجماعة الأفريقية، ويدعى محمد علي محمد علوسن، ويكنى بـ«أبو مهندس»، والذي كان ينشط بالاستقطاب والتجنيد وتهريب السلاح من القرن الأفريقي إلى السواحل اليمنية.
برامج تدريبية
وكشف التقرير عن أن مليشيات الحوثي عملت في سبيل تجنيد المهاجرين الأفارقة على إطلاق برنامج خاص تحت مسمى “الفيضان الأقصى” والتي تخرجت منه في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أوّل دفعة قتالية تتألف من 220 مهاجرا.
وأشار إلى أنه منذ مطلع 2024، اعتقلت المليشيات أكثر من 3480 مهاجراً أفريقياً في صعدة، ونقلتهم إلى صنعاء، وأجبرتهم على الانضمام إلى معسكرات التدريب العسكري أو الترحيل القسري.
كما قامت باستغلالهم لوجستيا ودعائيا من خلال نقل الأسلحة، وحفر الخنادق، وبناء التحصينات، وكذا إقامة جنائز تشييع للقتلى لحث المزيد على القتال بصفوفها.
ووفقا للتقرير، فإن مليشيات الحوثي ارتكبت جرائم جسيمة ضد من رفضوا التجنيد؛ شملت العنف الجنسي والجسدي والإخفاء القسري، التعذيب، والاغتصاب، كحادثة عام 2021، التي راح ضحيتها أكثر من 60 مهاجراً في مركز احتجاز بصنعاء وهزت العالم.
وقبل ذلك بعام، طردت مليشيات الحوثي آلاف المهاجرين الإثيوبيين قسراً من شمال اليمن، وأطلقت عليهم الهاون والصواريخ، ما أسفر عن مقتل العشرات.
توصيات ومطالبات
طالب التقرير بفرض عقوبات دولية على القيادات الحوثية المتورّطة في استغلال المهاجرين، وحشد دعم المجتمع الدولي لوقف ممارسات الحوثيين غير الإنسانية.
كما شدد على أهمية رصد وتسجيل كافة الانتهاكات المروّعة التي ترتكبها الميليشيات الحوثية ضد المهاجرين، وإعداد قائمة سوداء بجميع القادة والمسؤولين المتورّطين في هذه الانتهاكات ومحاسبتهم ودعم جهود توثيق الانتهاكات ضد المهاجرين ورفعها إلى مجلس الأمن والمحافل الدولية.
وأوصى التقرير بضرورة إنشاء ممرّات إنسانية آمنة لحماية المهاجرين الأفارقة وضمان وصولهم إلى مناطق آمنة، وزيادة دعم المنظمات الدولية لتوفير الحماية والرعاية الصحية للمهاجرين.
كما أكد على أهمية دعم الحكومة اليمنية الشرعية وقوات خفر السواحل اليمنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية عبر منطقة القرن الأفريقي إلى اليمن، لما لها من مخاطر أمنية واقتصادية واجتماعية على اليمن ودول المنطقة.