سياسة

الغنوشي في ميزان الاحتجاجات التونسية


تشهد العاصمة التونسية ومدن عدة في البلاد احتجاجاتٍ غاضبة، منذ منتصف شهر يناير/كانون الثاني الجاري.

للمطالبة بسياسة اجتماعية أكثر عدلاً، ولإطلاق سراح عشرات المتظاهرين الذين اعتقلتهم السلطات الأمنية قبل أيام. وهي مظاهرات تأتي بُعيد إضرابٍ عام دعا إليه العاملون في القطاع العام؛ اعتراضاً على رفض الحكومة رفع أجورهم، وهو مطلب محق بالتأكيد بعد أن تسببت حركات وتيارات سياسية رئيسية بأزمة اقتصادية خانقة يعيشها التونسيون منذ سنوات.

ورغم أن الإضراب العام كان شاملاً وانضم إليه عاملون في أماكن حيوية متعددة مثل المطارات ومحطات القطارات والموانئ، فإن الحكومة المعدّلة التي يرأسها هشام المشيشي، لم تلتفت إلى هذا الأمر، حيث استطاعت انتزاع ثقة البرلمان بأغلبية مطلقة، رغم اعتراض نواب حزب “الدستوري الحر” الذي تتزعّمه عبير موسي على ذلك مع كتلٍ نيابية أخرى بينها “الكتلة الديمقراطية”، إضافة لشخصياتٍ مستقلّة.

وتشكل التعديلات الحكومية التي اقتصرت على وزارة الداخلية تحدياً كبيراً للمتظاهرين، لا سيما أن الأجهزة الأمنية التابعة للوزارة تعاملت معهم بقسوة واستخدمت العنف ضدهم، إذ قُتِل متظاهرٌ واحدٌ على الأقل حتى الآن، بينما يقبع آخرون خلف القضبان، وهذا يعني أن المشيشي والبرلمان الذي يترأسه راشد الغنوشي سيواصلان عدم مبالاتهما بالاحتجاجات الغاضبة ومطالب المتظاهرين، الأمر الذي يعني دخول البلاد في أزمةٍ جديدة، خاصة أن المظاهرات لم تتوقف بعد.

ومن المعلوم أن الأزمة المعيشية في تونس تبدو المحرّك الأساسي لاحتجاجاتها، وهي اختبارٌ مصيري بالدرجة الأولى لحركة “النهضة” الإخوانية التي يقودها الغنوشي، ذلك أن المحتجين يطالبون بمحاسبته مع حلّ البرلمان الذي يترأسه ويهيمن عليه عبر حلفائه. وكانوا قد كرروا مطلبهم بسحب الثقة منه ومن الحكومة أيضاً، لكن الأخيرة تحدّت المتظاهرين وعيّنت وزيراً للداخلية هو بالأساس مُتّهم بتستره على “اتحاد علماء المسلمين” في البلاد، الذي يقوده عن بُعد يوسف القرضاوي.

كما أن وليد الذهبي، وزير الداخلية الجديد، متورّط أيضاً في منح تراخيص لهيئات وجمعيات مشبوهة تنشر التطرّف والإرهاب في تونس، إلى جانب ضلوعه بالفساد المالي. ومع هذا كلّه، أصرّت الحكومة على تعيينه في منصبه بموافقة الغنوشي الذي منحه ثقته في البرلمان. ويبدو أن تمسّك الغنوشي بالذهبي يعكس رغبته في الاستمرار بالسيطرة على كل مفاصل الدولة، وهو أمر يرفضه المتظاهرون بشدّة.

وبالتالي وضعت المظاهرات، الغنوشي، رجل “الإخوان” الأول في تونس، في مواجهة مباشرة مع المحتجين الذين ينبغي على الأطراف الفاعلة في الأزمة التونسية دعمهم، كي يتمكنوا من انتزاع قبضة التنظيم الدولي للإخوان على بلدهم، للمحافظة عليه قبل تدهور أوضاعه أكثر فأكثر.

وباعتقادي، سوف تستمر الاحتجاجات في تونس إن لم تقم الحكومة الحالية بتقديم تنازلات فورية للمتظاهرين، ومن هنا، ليس مستبعداً دخول البلاد في أزمة أمنية عميقة إذا ما تحدّت الحكومة المحتجين مجدداً، بتعيين وزراء آخرين على شاكلة الذهبي، على اعتبار أن وجود شخصياتٍ مشابهة لوزير الداخلية الجديد يعني زيادة نفوذ “الإخوان”، وهو أمر يرفضه الشارع التونسي الغاضب.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى