الغاز الإيراني يتحوّل إلى أداة سياسية ضد بغداد وواشنطن
يمثل توقف إمدادات الغاز الإيراني بالكامل هزة جديدة في ملف الطاقة العراقي، حيث تسبب هذا الانقطاع في خسارة فورية تتراوح بين 4000 إلى 4500 ميغاوات. هذا الحدث ليس مجرد خلل فني أو تجاري عابر، بل هو ملف مثقل بالرسائل السياسية والضغوط الجيوسياسية.
ويعاني العراق من فجوة هائلة بين الإنتاج والطلب على الكهرباء، مما جعل الجار الإيراني الشريان الأبهر للمنظومة، حيث توفر طهران نحو 50 مليون متر مكعب من الغاز يوميا، بما يغطي نحو ثلث احتياجات البلاد، وهو ما يكفي لإنتاج نحو 6 آلاف ميغاواط من الطاقة يوميا.
وقال المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية أحمد موسى في بيان، إن الغاز الإيراني توقف بالكامل، ما أدى إلى شلل بعض الوحدات التوليدية، وتقييد أحمال وحدات أخرى بمحطات الإنتاج.
وتابع أن الجانب الإيِراني أرسل برقية أشعر فيها الوزارة بتوقف ضخ الغاز بشكل كامل لظروف طارئة لم يوضحها”، وفق وكالة الأنباء العراقية (واع).
وأكد أن “الإنتاج تحت السيطرة، ولا تزال المحطات عاملة رغم تأثر البعض منها بنقص الغاز”، لافتا إلى أن وزارة الكهرباء “استعدت لذروة الأحمال الشتوية من خلال عمليات الصيانة والتأهيل والتوسعة الجارية في محطات التوليد”.
ويعني فقدان 4500 ميعاوات انقطاع التيار لساعات طويلة عن ملايين العراقيين، خاصة في المناطق الوسطى والجنوبية. وتصر طهران على تحصيل ديونها بالعملة الصعبة، بينما تمنع العقوبات الأميركية العراق من تسديد المبالغ إلا عبر قنوات معقدة (غذاء ودواء) أو بآلية “المقايضة بالنفط الأسود” التي تواجه عقبات لوجستية.
ويحمل توقيت الانقطاع في طياته رسائل متعددة الأوجه، حيث تهدف هذه الخطوة إلى الضغط على واشنطن عبر بغداد مع إلغاء إدارة ترامب للإعفاءات التي كانت تسمح للعراق بالدفع، وتستخدم إيران ورقة الكهرباء لإحراج الحكومة العراقية أمام جمهورها، مما يضغط على بغداد لانتزاع استثناءات جديدة من الخزانة الأميركية.
وتبعث طهران برسالة مفادها أن أي محاولة عراقية للتقارب مع المحيط العربي من خلال الربط الكهربائي مع الخليج أو الأردن أو الاستثمار في الغاز المصاحب، لن تعوض الحاجة الفورية للغاز الإيراني في المدى المنظور.
وتعتبر الحمهورية الإسلامية أن انقطاع الغاز هو نتيجة طبيعية لعدم قدرة العراق على الوفاء بالتزاماته المالية، وهي بذلك تحول الملف من “تعاون أخوي” إلى “صفقة تجارية” محكومة بالدفع النقدي.
ويضع استمرار ارتهان الطاقة لجهة واحدة العراق أمام سيناريوهين، الأول هو التوصل لاتفاق مؤقت يتضمن دفع جزء من المبالغ عبر سلع أو خدمات، وعودة تدريجية للغاز، وهو حل “مٌسكّن” لا يمنع تكرار الأزمة، بينما يتمثل الثاني في استمرار الانقطاع كأداة ضغط سياسي قصوى، مما قد يدفع بغداد لتسريع خطوات الربط الإقليمي مع دول الجوار الأخرى بشكل غير مسبوق.
وباختصار يمكن القول إن استخدام الطاقة كأداة للضغط السياسي يثبت أن ملف الغاز في العراق لم يعد ملفاً خدمياً، بل أصبح أحد أبرز أدوات “دبلوماسية الإكراه” في المنطقة.







