سياسة

العلاقات المصرية–الإسرائيلية أمام اختبار صعب بعد موجة التصعيد


أخذ الخطاب الرسمي بين إسرائيل ومصر منحى تصعيديا في الآونة الأخيرة، لدرجة استهداف مكتب رئيس وزراء إسرائيل، وزارة الخارجية المصرية، واتهامها بأنها “تسجن” الفلسطينيين في قطاع غزة الذي يئن تحت وطأة حرب منذ نحو سنتين.

ورأى خبراء في تصريحات أدلوا بها للأناضول، أن ما يحدث يحمل 3 سيناريوهات، مشيرين إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يكرر الهجوم على مصر، كما فعل قبل نحو عام، حينما أثار أزمة أنفاق الحدود، واتهم القاهرة بتهريب السلاح عبرها، لكن الحكومة المصرية نفت آنذاك، ولوحت بمراجعة اتفاقية السلام مع إسرائيل المبرمة عام 1979.

وأكدوا أن “نتنياهو يفعل ذلك ليهرب من الأزمات الداخلية لديه والضغوط الدولية، ويحاول الضغط على مصر لتمرير سيناريو التهجير، مع الاعترافات المحتملة بدولة فلسطين خلال اجتماعات الجمعية العام للأمم المتحدة في نيويورك أواخر الشهر الجاري”.

وتعود أصول التصعيد الأخير بين الطرفين إلى تبعات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، إذ تعتبر تل أبيب أن القاهرة هي التي تغلق معبر رفح البري، وهو ما تنفيه مصر، مؤكدة أن إغلاق المعبر من طرف إسرائيل.

كما أعرب مسؤولون مصريون مرارا، عن استعداد بلادهم لـ”إغراق” غزة بالمساعدات حال السماح بذلك من قبل إسرائيل التي تسيطر عسكريا على الجانب الفلسطيني من معبر رفح منذ مايو/ أيار 2024، وتفرض حصارا مطبقا على الفلسطينيين.

وبلغ التصعيد ذروته بين الطرفين، مع ما أورده إعلام عبري من تلويح نتنياهو، مطلع سبتمبر/أيلول الجاري، بتعليق اتفاقية الغاز مع مصر، وهو ما قابلته القاهرة بتجديدها الرفض القاطع لتهجير الفلسطينيين.

وكانت البداية في أوائل الشهر الجاري، مع ذكر صحيفة “يسرائيل هيوم” العبرية أن نتنياهو وجّه “بعدم المضي في اتفاق الغاز الحيوي لمصر دون موافقته الشخصية”.

وردا على ذلك، وصف رئيس الهيئة العامة للاستعلامات التابعة للرئاسة المصرية ضياء رشوان في اليوم التالي، في تصريحات متلفزة، نتنياهو بأنه “واهم”، وتحداه أن يلغي اتفاقية الغاز الموقعة مع القاهرة منذ 2019 والممددة حتى 2040، “إن استطاع تحمّل النتائج الاقتصادية، وليست السياسية فقط”.

وشدد رشوان حينها على موقف بلاده الرافض لتهجير الفلسطينيين. وفي 4 سبتمبر/أيلول، جدد نتنياهو في مقابلة مع قناة “أبوعلي إكسبرس” العبرية، التعبير عن رغبته في تهجير الغزيين من غزة، قائلا “أستطيع أن أفتح لهم معبر رفح للمغادرة، لكن سيتم إغلاقه فورا من مصر”.

لكن المسؤول المصري، هذه المرة، أحرج نتنياهو من خلال مطالبته بفتح المعابر بغزة لتمكين الفلسطينيين من العودة لبلاد آبائهم وأجدادهم وأراضيهم المحتلة عام 1948، مؤكدا رفض القاهرة للتهجير.

ولم يتوقف رد القاهرة عند رشوان، بل أعربت وزارة الخارجية المصرية في الخامس من الشهر الجاري، عن “بالغ الاستهجان” لتصريحات نتنياهو، مؤكدة أنها “لن تكون أبدا شريكا في تصفية القضية الفلسطينية أو بوابة للتهجير”، ومشددة على أن هذا “خط أحمر غير قابل للتغيير”.

ردود القاهرة كانت رسائل بأنها لا تسمح لأحد المساس بسيادتها

وخرج مكتب نتنياهو في اليوم ذاته، لافتا إلى أن الخارجية المصرية “تفضل سجن سكان غزة داخلها”، قبل أن يعقب الوزير بدر عبدالعاطي في مؤتمر صحفي السبت بالقاهرة، مؤكدا أن “ما تدعو له إسرائيل ليس هجرة طوعية، بل تهجير ترفضه مصر تماما وتعتبره جريمة حرب”.

وتعقيبا على ذلك، قال رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية محمد العرابي إن “نتنياهو في موقف سياسي داخلي صعب جدا، وفي موقف دولي أصعب، ويحاول توزيع الضغوط على أماكن أخرى للتخفيف عنه، وهذه ألاعيب سياسية مفهومة للجميع وتصعيد مؤقت منه”.

وعن موقف القاهرة، أشار العرابي إلى أن “رسائل القاهرة محددة وواضحة، وكانت ضرورة وتسير في الإطار الاستراتيجي للدولة المصرية”.

ورجح أن “تستمر أحاديث نتنياهو على هذا النحو، وستزداد حتى 22 سبتمبر/أيلول وهو يوم انعقاد مؤتمر حل الدولتين في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، والاعترافات الدولية المحتملة بدولة فلسطين”.

وبشأن مستقبل هذا التصعيد، قال العرابي إن “رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يستطيع أن يفكر في الصدام لأنه يعرف أن تصريحاته للاستهلاك الداخلي، وهذه آخر قدراته”.

من جانبه، قال الأكاديمي المصري المختص في الشؤون الإسرائيلية أحمد فؤاد أنور، إن “تصريحات نتنياهو الملاحق من القضاء الإسرائيلي ومن الجنائية الدولية انتحار سياسي تجاوز مرحلة إلهاء الداخل أو الإفلاس”.

وأكد أن “رسائل مصر كانت تعبيرا عن ثوابت الأمن القومي المصري، ورفض تصفية القضية الفلسطينية، وكانت واضحة ومباشرة وبلا سقف”.

وشدد على أن “القاهرة أكثر قوة واستعدادا، ولديها بدائل في ملف الغاز الذي يلوح به نتنياهو، وقادرة على حفظ أمنها والاستمرار في خطوطها الحمراء، وعدم السماح بتهجير الفلسطينيين، وإسرائيل تعلم ذلك جيدا”.

كما توقع أن “يراجع نتنياهو حساباته ويتراجع، لأنه يدرك أن مصر عززت استعداداتها”، قائلا إنه عليه “ألا يختبر صبر القاهرة، فالأمور لن تصل لصدام، لكن السلام له قوة تحميه إذ تم المساس به”.

بدوره، يعتقد الخبير العسكري المصري اللواء سمير فرج، أن “نتنياهو يحاول بهذه الأمور توجيه رسائل للداخل المتأزم لديه، وإلهاء الإسرائيليين المنقسمين، لأن أي وقف لإطلاق النار في غزة يعني انهيار حكومته ومواجهته لقضايا، واحتمال أن ينتهي به المطاف إلى السجن”.

وأكد فرج أن “ردود مصر كانت حاسمة وحملت رسائل واضحة، ولن تتوقف إذا لم تتوقف إسرائيل”، مستبعدا أن يصل ذلك التصعيد الإسرائيلي لمرحلة الصدام، مؤكدا أن بلاده “دولة سلام إلا إذا كان هناك نية للمساس بأراضيها”.

وفي السياق ذاته، قال الأكاديمي الفلسطيني عبدالمهدي مطاوع، إن “نتنياهو يحاول الهروب من الأزمات الداخلية لديه، لاسيما في ظل التظاهرات المستمرة ضده، والوضع الاقتصادي الصعب مع طول الحرب”.

ولفت إلى أن “رئيس الوزراء الإسرائيلي يحاول الضغط على مصر لاتخاذ خطوات معينة في ملف التهجير، مع اعتقاد إسرائيل أن “الموقف المصري الرافض للتهجير سيبقى عقبة في ذلك الملف”.

وتابع أن “ردود القاهرة كانت رسائل بأنها لا تسمح لأحد المساس بسيادتها، خاصة فيما يتعلق بعلاقتها مع فلسطين، وهذا تكتيك يحسب لمصر”.

وهناك 3 سيناريوهات متوقعة لمستقبل هذا التصعيد، بحسب مطاوع، وهي “تراجع نتنياهو كما فعل العام الماضي في أزمة الأنفاق مع مصر، أو الإبقاء على التوتر بين البلدين، أو تدهور العلاقة دون الوصول لصدام عسكري”.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى