العرب يعانون من العنصرية والتمييز في تركيا
إن أمل العرب المقيمين في تركيا في بدء حياة جديدة أصبح ضئيلا جدا، في الوقت الذي أصبح فيه المجتمع يشهد عنصرية وتمييز تتجسد من خلال ممارسات مواطنين أتراك عاديين وحكوميين.
عبد الباري منسي، هو أحد الأشخاص الذين عانوا من هذه الممارسات، فهو شاب مصري مقيم في إسطنبول، وقد نشر تفاصيل ما تعرض له هو وعائلته حيث قال في منشور تمت مشاركته أكثر من ألف مرة، بأنه بينما كان يجهز عربة الأطفال الخاصة بزوجة أخيه للنزول من المتروباص، توجه نحوهم رجل تركي زاعما أن أصواتهم عالية، وحين حاول منسي تهدئته، وجه له صفعة قوية تسببت في نزفه من الأنف.
وذكر أيضا شاب مصري اخر يسمى عبد الله في منشور على فيس بوك، بأنه قد واجه مواقف عنصرية منذ أن انتقل للعيش في مجمع سكني بإسطنبول، لأنه ليس تركيا، وقد كانت البداية عندما تردد صاحب المنزل في تأجير منزله للشاب المصري ظنا منه أنه سوري الجنسية، فيما تعرض لاحقا لتعنت في التعامل مع العاملين بالمجمع السكني.
وقبل ذلك بأكثر من عام، فقد انتشرت قصة أخرى لفتاة تدعى فجر عبد الناصر، بعدما تعرضت لموقف عنصري في أحد المطاعم، حيث أجبروها على إنزال رجلها من على طاولة منخفضة بالرغم من إصابتها في قدمها.
العنصرية في تركيا لم تعد تقتصر على جنسية أو فئة بعينها، فكل شخص غريب عن تركيا معرض للعنصرية، كما أنها هذه الممارسات ليست شائعة على المستوى الشعبي فقط، بل يواجه أيضا المقيمون عنصرية من جانب بعض المصالح الحكومية، مثل مديرية الهجرة أو أقسام الشرطة.
وأضاف أيضا شاب مصري آخر يدعى م.ح، حيث تحدث لموقع الحرة بشرط السرية خوفا من الترحيل، بأنه قد تعرض لموقف عنصري وتعنت من جانب مأمور قسم تركي في حي كوجك جكمجة بإسطنبول، عندما ذهب إليه لعمل محضر فقدان جواز سفر، مضيفا بأن الضابط قد تغيرت لهجته عندما أدرك أن محدثه عربي. وقال له بأنهم (القسم) غير مختصين في عمل محاضر جوازات لغير الأتراك، وقال له لن نحمل هم العرب، يكفينا الأتراك، وعندما رد عليه الشاب م.ح بأن ما يطلبه هو حقه القانوني سواء كان عربيا أم غير ذلك، فقد أجاب الضابط يمكنني خدمة بقية الجنسيات لكني لا أريد التعامل مع العرب، ولا يشرفني الدخول لأي دولة عربية. وتوجه بعد ذلك م.ح إلى قسم آخر، واستطاع استخراج محضر فقدان جواز سفر قبل أن يذهب إلى القنصلية المصرية في إسطنبول لاستخراج جواز سفر جديد.
ووفق تصريح رئيس الجمعية العربية في إسطنبول متين طوران العام الماضي، فقد وصل عدد العرب بشكل عام في تركيا إلى 5 ملايين مقيم، من بينهم 3 ملايين و600 ألف لاجئ سوري، بينما يتراوح عدد المصريين بين 10 إلى 15 ألفا يتركز معظمهم في إسطنبول، وقد أتى غالبيتهم للحصول على لجوء، حسب تصريحات ياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في يوليو من العام الماضي.
وقال من جهته مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن في حديث مع موقع الحرة، بأن العنصرية موجودة بشكل كبير، والحوادث مستمرة، خاصة حوادث التضييق على السوريين خلال الفترة الأخيرة، أما عن أسباب العنصرية يقول عبد الرحمن قد يكون الإعلام التركي، الذي يعتبر السوريين والعرب مسؤولين عن الأزمة الاقتصادية، بينما الحكومة التركية في الحقيقة تسفيد منهم.
كما أوضح عبد الرحمن بأن تركيا لا تلغي الكيمليك (بطاقة الإقامة الإنسانية) الخاصة بالسوريين الذين يغادرون أراضيها، حتى يتم استمرار الدعم المادي الخاص باللاجئين، القادم من الخارج على أساس أن اللاجئين ما زالوا موجودين. ويعتقد أيضا عبد الرحمن بأن أحد أسباب المشكلة، هي الجهات السورية المعارضة التي لا تدافع عن السوريين، وذلك لأنهم يتبعون الحكومة التركية.
بالإضافة إلى شابة عراقية تدعى ش.م كانت تقطن بمنطقة أورتاكوي في إسطنبول، تحدثت لموقع الحرة بأنها قد تعرضت لمضايقات من جانب بعض الأتراك وذلك خلال إقامتها، لأنها عربية أحيانا أو ظنا منهم أنها سورية، حيث قالت بأن سائق أوبر قد رفض أن يدعها تركب السيارة ظنا أنها سورية الجنسية، بينما رفض تاجر التعامل معها لأنها عربية. كما أوضحت الفتاة العراقية بأن المناطق التي يسكنها محافظون في إسطنبول تكون فيها العنصرية أقل مقارنة بمناطق أخرى يكون فيها جمهور حزب الشعب الجمهوري العلماني المعارض هو الأغلبية.
هذا وتتنوع أشكال العنصرية التي يتعرض لها العرب والسوريون على وجه الخصوص، منها التلفظ بألفاظ عنصرية وتمييزية، أو استغلال ضائقة العمال السوريين بإعطائهم مرتبات أقل وتشغيلهم لساعات أطول، أو بعدم تأجير البيوت للسوريين.
وقد هزت قضية الطفل السوري وائل السعود (9 سنوات) تركيا في أكتوبر الماضي، وذلك بعد العثور عليه مشنوقا على باب مقبرة في ولاية كوجالي، ووفق الإعلام التركي فإن الطفل قد انتحر بسبب العنصرية التي تعرض لها في مدرسته من قبل رفقاء الصف والمدرسين لأنه سوري، وقد كان يعاني من الإقصاء والرفض الاجتماعي من زملائه في المدرسة، ويوم انتحاره كان قد تلقى توبيخا قاسيا من مدرسيه.
لقد بلغ عدد السوريين في إسطنبول نحو 559 ألف شخص وفق بيان للمديرية العامة للتعلم مدى الحياة التركية الذي نشر في عام 2018، وربما يزيد هذا العدد إذا أضيف إليه غير المسجلين. ومنذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011، فقد وصلت أعداد هائلة من السوريين إلى تركيا، بعد أن فتحت حكومة أردوغان الأبواب على مصراعيها في البداية أمام السوريين، وسط معارضة من جانب حزب الشعب الجمهوري.
وفي عام 2016، فقد بدأت إجراءات منح السوريين الجنسية التركية في الوقت الذي أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اتخاذ وزارة الداخلية التركية خطوات جادة في سبيل إعطاء الجنسية لمن يريدها. وأطلق بعد ذلك ناشطون أتراك غاضبون وسما بعنوان #ÜlkemdeSuriyeliİstemiyorum أي لا أريد مواطنين سوريين في بلادي على تويتر، حيث عبروا فيه عن رفضهم لقرار أردوغان الأخير بإعطاء الجنسية للسوريين.
هذا وتتهم من جهتها المعارضة أردوغان بإعطائه الجنسية التركية للسوريين، من أجل الاستثمار في الأجيال القادمة من السوريين الأتراك لضمان ولائهم السياسي وأصواتهم في الاستحقاقات الانتخابية مستقبلا.