سياسة

العدوان على غزة.. قرن من الخراب


قبل أن تضع الحرب على قطاع غزة أوزارها وحين تضع أوزارها، سيكون قد تحول في معظمه إلى ركام بعد أن سوى القصف الإسرائيلي أحياء سكنية بكاملها وبمن فيها بالأرض وبعد دمار وخراب هائل في البنية التحتية.

ويختزل المشهد الراهن بعد 100 يوم من العدوان أزمة تترك في القطاع الفلسطيني المكتظ بالسكان وطأة قرن من الموت والدمار في أحياء كاملة لم يبق منها سوى أنقاض ونظام صحي منهار ومشارح تغص بالجثث ومناطق تعج بالثكالى ومواطنين منهكين يسيطر عليهم الرعب.

في مخيم مستحدث في مدينة رفح في جنوب القطاع، يقول عبدالعزيز سعدات “إنها مئة يوم فقط، لكن كأنها مئة سنة”. فرّ سعدات من منزله على غرار غالبية سكان غزة. في خيمته، يشعر ببرد قارس في الليل.

تركت الحرب بصمات بدّلت تماما شكل القطاع الساحلي الصغير المكتظ بـ2.4 مليون نسمة، فبعدما كانت أحياؤه تضجّ بالحركة والسيارات، باتت الآن مليئة بالركام والمباني المهدمة.

ويقول سعدات “يعيش البعض في مدارس والبعض الآخر في الشوارع، ينامون على الأرض أو على مقاعد. لم توفّر الحرب أيا كان”. ونزح حوالي 1.9 مليون شخص يمثلون 85 في المئة من سكان القطاع المحاصر من منازلهم، بحسب أرقام الأمم المتحدة.

ووصف منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث قطاع غزة بأنه بات “بكل بساطة غير صالح للسكن… مكانا للموت واليأس”.

ويسعى الغزاويّون للاستمرار كما يتيسّر لهم وتمكن بضع مئات منهم فقط من الخروج من القطاع الخاضع منذ 2007 لحصار فرضته إسرائيل بعد سيطرة حماس عليه وأحكمته بعد اندلاع الحرب.

وتوعدت إسرائيل بـ”القضاء” على حماس بعد الهجوم غير المسبوق الذي شنّته الحركة على جنوب الدولة العبرية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي وأدى إلى مقتل نحو 1140 شخصا، وفق أرقام رسمية إسرائيلية. كما اقتيد نحو 250 رهينة خلال الهجوم، لا يزال 132 منهم محتجزين في القطاع، بحسب الجيش الإسرائيلي.

وتردّ إسرائيل بقصف جوي ومدفعي عنيف وباشرت في 27 أكتوبر/تشرين الأول عمليات برية في القطاع، ما أدى إلى مقتل 23469 شخصا غالبيتهم من النساء والأطفال وإصابة حوالي 60 ألفا بجروح، فيما لا يزال الآلاف مطمورين تحت الأنقاض، وفق آخر حصيلة لوزارة الصحة التابعة لحماس.

وخلّف القصف حفرا في مخيمات اللاجئين والطرق وتضرّرت مدارس وجامعات ومساجد ومرافق عامة. وتتهم إسرائيل حماس باستخدام المدنيين دروعا بشرية من خلال شن عملياتها انطلاقا من المساجد والمدارس والمستشفيات، وهي اتهامات تنفيها الحركة الفلسطينية التي يتوارى مقاتلوها وقادة جناحها العسكري في شبكة أنفاق أعدت على ما يبدو على مدى أكثر من 10 سنوات استعدادا لهذه الحرب، بينما ينتشر قادة جناحها السياسي في قطر وتركيا ولبنان وربما في سوريا.

وخلص أستاذان جامعيان أميركيان هما خامون فان دين هوك وكوري شير استنادا إلى صور عبر الأقمار الصناعية، إلى أن 45 إلى 56 بالمئة من مباني قطاع غزة دمرت أو تضررت حتى الخامس من يناير/كانون الثاني الحالي.

ورأى كوري شير أن الدمار “واسع جدا وكان سريعا للغاية”، معتبرا أن حجم الأضرار “مماثل للدمار في المناطق الأكثر عرضة للقصف في أوكرانيا”.

وكشفت دراسة أجراها مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية أن 18 بالمئة من المباني دمرت أو تضررت بعد خمسين يوما من الحرب.

وفي حال انتهاء القتال، فهذا لا يعني أنه سيكون بإمكان سكان القطاع العودة إلى منازلهم، إذ أن إعادة الإعمار ستكون عملية شاقة تتطلب مجهودا هائلا، فقد أصيبت مواقع أثرية ومعالم هامة في قطاع غزة، وعلى الأخص بين الأزقة الضيقة المتشابكة في وسط المدينة التاريخي، حيث دمر المسجد العمري، أقدم مساجد القطاع.

وضاقت المقابر بالقتلى فدفنوا في مقابر جماعية حفرت في البساتين وباحات المستشفيات وحتى في ملعب لكرة القدم. وتتوالى الأيّام والمشهد واحد: رجال ونساء ينتحبون وهم يتعرفون على الجثث الملفوفة بأغطية بلاستيكية بيضاء، فتكتب عليها الأسماء بقلم حبر أسود.

وحين يتمكن الجرحى من الوصول إلى واحد من المستشفيات الـ15 التي لا تزال في الخدمة جزئيا من أصل 36، يكتشفون “ساحة معركة” من نوع آخر، بحسب ممثل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية ريك بيبركورن.

في المستشفيات التي تمكن من زيارتها، وصف “الفوضى” و”بقع الدماء على الأرض” وصراخ الجرحى الذين ينتظرون أحيانا أياما قبل تلقي العلاج، مشيرا إلى أن بعض غرف العمليات تضاء بالهواتف النقالة لانقطاع الكهرباء وتجري العمليات الجراحية أحيانا بدون تخدير.

وقال ممثل منظمة الصحة العالمية “هناك انقطاع في كل المعدات الطبية تقريبا”، مضيفا “لم أر في حياتي هذا العدد من الأطراف المبتورة”.

ويقول إبراهيم سعدات النازح أيضا إلى رفح “فقدنا الأمل“، مضيفا “لا ماء ولا كهرباء، وبسبب نقص الماء لا نستحمّ إلا مرة في الشهر، حالتنا النفسية متعَبة وانتشرت الأمراض في كل مكان”.

وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، ازدادت حالات الإسهال لدى الأطفال الشهر الماضي من 48 ألف حالة إلى 71 ألفا خلال أسبوع، بالمقارنة مع ألفي حالة في الشهر قبل الحرب.

وحذّرت مديرة برنامج الأغذية العالمي في المنطقة كورين فلايشر “لم أر خلال ثلاثين عاما نقصا في الأغذية بهذا الحجم”. وقالت “إنتاج الأغذية متوقف تماما ولا يستطيع الناس التوجه إلى حقولهم ولا الصيد في البحر، لا سيما مع قصف مرفأ غزة” الذي كان الصيادون يفرغون أسماكهم فيه كل يوم. أما الأراضي الزراعية، فلا يمكن الوصول إليها.

وأصيب العديد من المخابز أو أغلقت لعدم توافر الوقود. وصعد سكان يائسون إلى شاحنات المساعدات بحثا عن طعام. وقالت فلايشر “المتاجر فارغة، ليس هناك ما يمكن شراؤه لتناول الطعام”، مضيفة “الناس يتضورون جوعا”.

وتعبّر هديل شحاتة (23 عاما) المقيمة في خيمة في مدينة رفح (جنوب) عن يأس الشباب الذين يشكّلون نصف سكان القطاع، فتقول “كل أحلامنا راحت… سنوات راحت من عمرنا”.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى