سياسة

العالم يخلد زيارة شيخ الأزهر والبابا فرنسيس التاريخية للإمارات


يحتفل العالم بالذكرى الثانية لتوقيع وثيقة الأخوة الإنسانية، في وقت نجحت فيه الإمارات بجعل تلك الوثيقة التي وقّعها قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية، وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، على أرض دولة الإمارات العربية المتحدة يوم 4 فبراير 2019، برعاية الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية.

ويحتفل المجتمع الدولي لأول مرة، الخميس، بـ اليوم العالمي للأخوة الإنسانية، بعد أن اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بالإجماع بهذا الصدد، وذلك تخليدا لتلك الذكرى، وتقديرا لأهداف الوثيقة، ودعما لجهود الإمارات في نشر التسامح، وفي وقت يجدد فيه الرمزان الدينيان الكبيران ودولة الإمارات التزامهما بالمضي قدما لتحقيق أهداف الوثيقة من أجل بناء جسور التواصل والتآلف والمحبة بين الشعوب.

وبهده المناسبة، نشر موقع العين الإخبارية مقالا استعاد فيه ذكرى تلك الزيارة التاريخية وما تم خلالها، حيث اجتمع على أرض الإمارات قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف خلال الفترة من 3 إلى 5 فبراير 2019، تلبية لدعوة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، حيث وقعا إحدى أهم الوثائق في تاريخ البشرية وهي وثيقة الأخوة الإنسانية.

وإضافة إلى توقيع الوثيقة، تم إطلاق جائزة الأخوة الإنسانية، وإقامة قداس تاريخي بحضور نحو 140 ألف شخص، والإعلان عن تشييد بيت العائلة الإبراهيمية في أبوظبي، الذي يمثل صرحا يجمع الديانات السماوية الرئيسية الثلاث ويجسد قيم التسامح والعيش المشترك، ويعد ترجمة على أرض الواقع لوثيقة الأخوة الإنسانية.

اليوم الأول 3 فبراير.. دروس وعبر

يمكن القول إن تلك الزيارة التاريخية بكل ما تخللها من مشاهد عفوية ومراسم رسمية واجتماعات وفعاليات، كانت تحمل في طياتها ومضمونها دروسا وعبرا كثيرة، فعلى الرغم من أن اليوم الأول للزيارة لم يتضمن مشاركة قداسة البابا فرنسيس أو فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب في أي فعاليات، إلا أنه كان مفعماً بالمشاهد التي حملت في دلالاتها رسائل، أنبأت بزيارة ناجحة قبل أن تبدأ.

أول تلك المشاهد وأبرزها كان حرص الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، على استقبال قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين، لدى وصولهما مطار الرئاسة في أبوظبي، في رسالة واضحة على تقديره للقطبين الدينيين ومكانتهما على حد سواء، بما يمثله كل منهما من قيمة وقامة.

أيضاً كان من المشاهد اللافتة، حرص شيخ الأزهر على المشاركة في استقبال البابا فرنسيس في المطار رغم وصوله قبله بدقائق، في رسالة تنشر قيم التسامح والمحبة والإنسانية والإخاء وسمو العلماء.

وعقب وصوله، شارك الإمام الأكبر ولي عهد أبوظبي في مراسم استقبال قداسة البابا فرنسيس، ثم استقل البابا والإمام الأكبر سيارة مشتركة إلى مقر إقامتهما، في مشهد يجسد معاني المحبة والإخاء.

وفي لفتة تدل على التسامح، شهدت الزيارة التاريخية حدثاً غير مسبوق، تمثل في إقامة القطبين الدينيين في بيت واحد، في سابقة تحدث لأول مرة في التاريخ على أرض الإمارات، في خطوة تهدف إلى تعزيز المحبة والتسامح.

اليوم الثاني 4 فبراير.. إنجازات تاريخية

ثاني أيام الزيارة كان حافلاً باللقاءات والفعاليات، وفي مستهله استقبل الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الإمارات، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، قداسة البابا فرنسيس في قصر الرئاسة بالعاصمة أبوظبي.

وعقب زيارة القصر الرئاسي، توجه قداسة البابا فرنسيس إلى جامع الشيخ زايد الكبير في أبوظبي برفقة شيخ الأزهر، وشاركا بمجلس حكماء المسلمين.

وكان هذا اللقاء هو أول مناسبة من نوعها تجمع بين بابا الكنيسة الكاثوليكية وأعضاء مجلس حكماء المسلمين الذي يترأسه فضيلة شيخ الأزهر، في دلالة واضحة على الالتزام المشترك من الطرفين بتوثيق العلاقات، والحوار المنفتح، ضمن مناقشات أوسع تعقد خلال لقاء الأخوة الإنسانية الذي تحتضنه الإمارات ترجمة للمكانة العالمية المرموقة التي خولتها لتكون عاصمة للتسامح في العالم، ومنصة للحوار البناء بين الثقافات والشعوب.

ومن جامع الشيخ زايد الكبير إلى صرح زايد المؤسس في أبوظبي؛ حيث شارك الرمزان الكبيران في المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية الذي نظمه مجلس حكماء المسلمين، وألقى قداسة البابا فرنسيس كلمة خلاله، أكد فيها أن دولة الإمارات العربية المتحدة بفضل بُعد النظر والحكمة تمكنت خلال سنوات قليلة من تحويل الصحراء إلى مكان مزدهر ومضياف، وصارت مكاناً للقاء بين الثقافات والديانات.

بدوره أعرب فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطـيب عن شكره الجزيل لدولة الإمارات قيادة وشعبا لاستضافة اللقاء العالمي للأخوة الإنسـانية، الحدث التاريخي الذي جمع قادة الأديان وعلماءها ورجال الكنائس والسياسة والفكر والأدب والإعلام في أبوظبي، ليشهدوا مع العالم كله إطلاق وثيقة الأخوة الإنسانية.

وثيقة وجائزة الأخوة الإنساني

وخلال اللقاء، وقع قداسة البابا فرنسيس وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب وثيقة الأخوة الإنسانية، التي تهدف إلى تعزيز العلاقات الإنسانية وبناء جسور التواصل والتآلف والمحبة بين الشعوب، إلى جانب التصدي للتطرف وسلبياته.

ومن منطلق المسؤولية الدينية والأدبية، وعبر وثيقة الأخوة الإنسانية، افتتح الأزهر الشريف ومن حوله المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها والكنيسة الكاثوليكية ومن حولها الكاثوليك من الشرق والغرب، الوثيقة بإعلان تبني ثقافة الحوار والتعاون المشترك، والتعارف المتبادل بين الأزهر والكنيسة.

وطالبت الوثيقة قادة العالم وصناع السياسات الدولية والاقتصاد العالمي بالعمل جدياً على نشر ثقافة التسامح والتعايش والسلام، والتدخل فوراً لإيقاف سيل الدماء البريئة، ووقف ما يشهده العالم حالياً من حروب وصراعات.

وخلال مراسم التوقيع على الوثيقة ودعماً لأهداف الوثيقة، أعلن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم إطلاق الإمارات جائزة الأخوة الإنسانية.. من دار زايد، التي ستكرم في كل دورة منها شخصيات ومؤسسات عالمية بذلت جهوداً صادقة في تقريب الناس من بعضهم البعض.

وأعلن منح الجائزة في دورتها الأولى لقداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف لجهودهما المباركة في نشر السلام في العالم.

اليوم الثالث 5 فبراير.. قداس تاريخي

وفي اليوم الختامي للزيارة، ترأس قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، قداساً بابوياً بمدينة زايد الرياضية في أبوظبي بحضور 140 ألفاً من المقيمين في دولة الإمارات وخارجها، في أجواء من التسامح والمحبة والسلام، تعبر عن مبادئ الأخوة الإنسانية التي تتبناها دولة الإمارات.

ويعد هذا القداس التاريخي الأول من نوعه في شبه الجزيرة العربية، والأكثر تنوعاً من حيث عدد الجنسيات، إذ يعكس التنوع الحضاري والثقافي الذي تتميز به دولة الإمارات باحتضانها مقيمين من 200 جنسية.

وتحمل إقامة هذا القداس التاريخي على أرض الإمارات، ولأول مرة في شبه الجزيرة العربية، دلالات مهمة، إذ يعكس نهج الإمارات والتزامها بمبدأ التسامح للتأكيد على أن المعتقدات الدينية يمكنها أن تزدهر في بلد يعتنق التنوع الديني ويشجع التعايش ما بين الأديان المختلفة.

وجاءت إقامة القداس بعدما زار قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، في اليوم نفسه، كاتدرائية القديس يوسف في أبوظبي.

وتعد كاتدرائية القديس يوسف في أبوظبي أهم وأكبر كنائس الكاثوليك في الإمارات، وأول كنيسة كاثوليكية تحتضنها البلاد، ووضع حجر أساسها في فبراير 1964 على قطعة أرض تطل على الكورنيش، تبرع بها الشيخ شخبوط بن سلطان بن زايد، حاكم أبوظبي آنذاك.

بيت العائلة الإبراهيمية

 

وتخليداً لذكرى الزيارة التاريخية المشتركة بين قداسة البابا فرنسيس، وفضيلة الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب، لدولة الإمارات وإطلاقهما من أبوظبي وثيقة الأخوة الإنسانية، أمر الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بتخصيص مساحة أرض في جزيرة السعديات، وتشييد معلم حضاري جديد يُطلق عليه اسم بيت العائلة الإبراهيمية.

وسيضم بيت العائلة الإبراهيمية، كنيسة ومسجداً وكنيساً تحت سقف صرح واحد، ليشكل للمرة الأولى مجتمعاً مشتركاً، تتعزز فيه ممارسات تبادل الحوار والأفكار بين أتباع الديانات ويرمز المعلم الديني الفريد إلى حال التعايش السلمي وواقع التآخي الإنساني الذي تعيشه مختلف الأعراق والجنسيات من العقائد والأديان المتعددة في مجتمع دولة الإمارات، كما أنه سيستقي نهجه من الوثيقة التاريخية، تتقارب فيه الشعوب والطوائف والأديان باختلافاتها وتنوعاتها، وسيكون الصرح الجديد أحد المعالم البارزة على مستوى الإمارات والعالم.

نسختان من وثيقة الأخوة الإنسانية

وغادر قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب بمثل ما استقبلا به من حفاوة وتكريم، مختتمين زيارتهما التاريخية.

وكان في وداعهما لدى مغادرتهما مطار الرئاسة في العاصمة أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية.

وتسلم الشيخ محمد بن زايد نسختين من وثيقة الأخوة الإنسانية من قداسة البابا فرنسيس وفضيلة الإمام الأكبر قبيل مغادرتهما.

وغرد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مودعاً الرمزين الكبيرين، قائلاً نودع بالحب ضيفي الإمارات العزيزين.. البابا فرنسيس وفضيلة الإمام الدكتور أحمد الطيب.

ولخص نتائج تلك الزيارة المهمة، قائلاً هذه الزيارة تشكل حجر أساس في تنمية العلاقات الإنسانية، والتحاور بين الشعوب والثقافات، كلنا شركاء في تعزيز قيم التسامح والمحبة، وبث الأمل والتفاؤل والتآلف بين شعوب العالم.

وعززت تلك المبادرة التاريخية التي تمت في مستهل عام التسامح في الإمارات عام 2019، مكانة الإمارات كواحة للتسامح ومنارة للسلام، تلهم مبادراتها الإنسانية جمعاء.

ومنذ توقيع الوثيقة تعمل الإمارات بالتعاون مع الرمزين الدينيين الكبيرين على نشر الوثيقة وتطبيق مبادئها على أوسع نطاق، عبر تحويل الوثيقة إلى برامج ومبادرات ومشاريع على مستوى العالم.

وبعد نحو عامين من توقيعها لا تزال أصداء هذا الحدث التاريخي تتوالى، ولا يزال العالم والإنسانية تجني ثماره الطيبة، بعد أن أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر الماضي يوم 4 فبراير من كل عام يوما عالميا للأخوة الإنسانية.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى