سياسة

الضغوط تتصاعد.. حزب الله في مرمى واشنطن بعد تمسكه بالسلاح


 تتجه الإدارة الأميركية إلى تصعيد ضغوطها على لبنان وحزب الله بعد التصريحات الأخيرة لنائب الأمين العام للحزب، الشيخ نعيم قاسم، التي جدّد فيها رفض الحزب القاطع لأي نقاش حول نزع سلاحه، وهو ما أثار ردود فعل أميركية ساخرة علنية، وأخرى أكثر حدة في الكواليس الدبلوماسية.
وقال قاسم، وفي خطاب مساء الجمعة بوضوح “لن نسمح لأحد أن ينزع سلاح حزب الله أو المقاومة، وهذه الفكرة عليكم إزالتها من القاموس”، معتبرًا أن الدعوات لنزع السلاح بالقوة “تخدم إسرائيل” وتسعى إلى “زرع الفتنة بين الجيش والمقاومة”، على حد وصفه.
وفي رد غير مباشر، علّقت المبعوثة الأميركية الخاصة إلى لبنان، مورغان أورتاغوس، عبر منصة “إكس”، على خطاب قاسم بكلمة واحدة: “تثاؤب”، أرفقتها بإعادة نشر منشور لصانع محتوى إسرائيلي سخر فيه من تصريحات الحزب، مع التركيز على ما وصفه بـ”أوهام المقاومة”. وأثار التعليق، وإن كان مقتضبًا، جدلًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ اعتبره البعض تعبيرًا عن استخفاف واشنطن بالحزب، فيما رآه آخرون إشارة ضمنية إلى نفاد صبر الولايات المتحدة تجاه الوضع القائم في لبنان.

وفيما تزداد حدة الخطاب، شدد الرئيس اللبناني، جوزيف عون، على أن “مسألة سلاح حزب الله لا يمكن أن تُحل بالقوة”، داعيًا إلى مقاربة سياسية – دفاعية تقوم على “تفاهمات وطنية تنظم العلاقة بين الجيش والمقاومة”، وذلك في تصريح أعاد طرح مبادرة “الاستراتيجية الدفاعية” التي طرحت مرارًا دون أن تجد طريقها للتنفيذ.
وكانت مصادر في الجماعة المدعومة من إيران تحدثت في السابق عن نزع سلاح الحزب ضمن خطة دفاع شاملة يتم رسمها مع الدولة اللبنانية.
لكن هذا التوجه السلمي لا يبدو متوافقًا مع ما تروّج له بعض الدوائر الأميركية، إذ نقلت مصادر دبلوماسية عن مسؤولين أميركيين قولهم إن “إسرائيل باتت مستعدة لاستخدام القوة لنزع سلاح حزب الله، إذا فشلت الجهود الدبلوماسية”، معتبرين أن “المرحلة الحالية لا تحتمل استمرار المعادلة القائمة منذ ما بعد حرب 2006”.
وتأتي تصريحات قاسم في سياق تصعيد متواصل بين حزب الله وإسرائيل، خصوصًا منذ اندلاع الحرب الأخيرة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، والتي تحولت إلى حرب واسعة النطاق في سبتمبر/ أيلول 2024. ووفق بيانات رسمية، فقد أسفرت هذه الحرب عن مقتل أكثر من 4 آلاف شخص في لبنان، وإصابة نحو 17 ألفًا، مع نزوح قرابة مليون و400 ألف مواطن.
وبالرغم من دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، إلا أن إسرائيل ارتكبت، بحسب إحصاءات 2763 خرقًا للاتفاق حتى منتصف أبريل/نيسان، ما أدى إلى مقتل 193 شخصًا بينهم قيادات ميدانية في الحزب وإصابة 485 آخرين، كما لم تُكمل انسحابها من الجنوب اللبناني، متمسكة بخمس تلال رئيسية لا تزال تحت سيطرتها.
وتضمن الخطاب الأخير لقاسم كذلك تحذيرًا واضحًا لإسرائيل من “مواصلة اعتداءاتها”، مؤكدًا أن الحزب “ليس ضعيفًا ويملك خيارات للرد في الوقت المناسب”. هذه التصريحات تزامنت مع تقارير أمنية تحدثت عن تعزيز إسرائيل لقدراتها العسكرية على الحدود الشمالية، في إشارة إلى احتمال تجدد المواجهة.
وفي هذا السياق، ترى مصادر غربية أن الولايات المتحدة قد تمضي في دعم خيار “الضغط المركب”، الذي يجمع بين العقوبات على شخصيات لبنانية وسياسية، وتعزيز الدعم العسكري لإسرائيل، ودفع المجتمع الدولي نحو سحب “الغطاء السياسي” عن حزب الله داخل الدولة اللبنانية.
وتشير التقديرات إلى أن الوضع في لبنان قد يزداد تعقيدًا في ظل شلل سياسي مستمر، وتراجع اقتصادي حاد، وانقسام داخلي حول مسألة “المقاومة”. وبينما يصر حزب الله على أنه جزء من معادلة “الحماية الوطنية”، ترى واشنطن وتل أبيب أن السلاح الخارج عن سيطرة الدولة بات تهديدًا إقليميًا يستوجب معالجة حاسمة، ولو بالقوة.
وفي ظل هذه المعادلات المتضاربة، يبدو أن لبنان يقف على مفترق حرج، بين خيار التفاهم الوطني، وخطر الانفجار الإقليمي الكبير.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى