مجتمع

الصراخ ضد الأطفال.. عواقب نفسية خطيرة بحسب خبيرة مختصة


يلجأ معظم الآباء إلى الصراخ ظنًّا منهم أنه الطريقة الأسرع لضبط سلوك الطفل، لكن الأبحاث التربوية والنفسية تؤكد أن الصراخ ليس وسيلة فعّالة على المدى الطويل فقط، بل يخلّف آثارًا سلبية عميقة على نفسية الطفل وسلوكه.

من جانبها أوضحت الاستشارية النفسية والأسرية والتربوية حنين البطوش أن الصراخ قد يحقق استجابة مؤقتة، لأن الطفل يخضع بدافع الخوف، لكنه لا يعلّمه سبب الخطأ ولا يزرع الانضباط الذاتي، بل يزرع الخوف والقلق ويهدم الثقة بينه وبين والديه. كا يصبح الصراخ مع الوقت وسيلة الطفل للتقليد في تعامله مع الآخرين، ما يؤدي إلى تعزيز العدوانية والعناد بدلاً من الطاعة الإيجابية.

وأكدت البطوش أن الصراخ ليس أسلوبًا صحيحًا للتربية؛ فهو لا يحل المشكلة، بل يؤجلها ويستبدلها بمشكلات أخرى نفسية وسلوكية، والبديل الفعّال هو الحوار، والوضوح، والتفاهم، لأن التربية الحقيقية تقوم على بناء علاقة آمنة قائمة على الحب والاحترام، لا على الخوف والعقاب اللفظي.

 مشاكل في تقدير الذات

وبينت الخبيرة أن الأثر لا يقتصر على الجانب الانفعالي، بل يمتد إلى العلاقة الأبوية نفسها؛ إذ يتحول الوالدان من مصدر دعم وحب إلى مصدر خوف، فيفقد الطفل ثقته فيهما ويقلّ تواصله معهما، حتى في الأوقات التي يحتاج فيها للمساندة.

ويترك الصراخ أيضا ندوبًا على تقدير الذات وفقا للبطوش، حيث يشعر الطفل بأنه غير محبوب أو غير كفؤ، ما يضعف ثقته بنفسه ويحد من قدرته على اتخاذ القرارات مستقبلاً.

وتشير الدراسات إلى أن الأطفال الذين يتعرضون للصراخ المستمر قد يعانون من تأخر في المهارات اللغوية والاجتماعية، لأنهم يخشون التعبير عن أفكارهم ومشاعرهم، ولا يقف الأمر عند الجوانب النفسية، بل يمتد إلى الجانب الجسدي؛ فالإجهاد المستمر الناتج عن الخوف يضعف الجهاز المناعي، ويسبب اضطرابات النوم ومشاكل هضمية مزمنة.

وشددت الخبيرة التربوية إلى أن الانتقال من الصراخ إلى الحوار ليس مجرد تغيير في الأسلوب، بل هو تحول جذري في مفهوم التربية، يهدف لبناء علاقة قائمة على الثقة والأمان النفسي.

ومن أهم الخطوات العملية وفقا للخبيرة هو المحافظة على هدوئك قبل كل شيء، فالغضب يطفئ لغة العقل، فقبل أن تتفاعل خذ نفسًا عميقًا، امنح نفسك ثواني للتفكير، وتذكر أن قدرتك على التحكم في أعصابك تمنح طفلك نموذجًا رائعًا للسيطرة على الانفعال، واستمع لطفلك بوعي وامنحه المساحة ليعبر عن مشاعره وأفكاره، حتى لو لم تكن متفقة معها، فالإصغاء لا يعني الموافقة، لكنه يفتح باب التفاهم.

وبينت البطوش بأن الحدود تمنح الطفل شعورًا بالأمان، ولا تجعل القواعد متقلبة؛ فاتفق مع نفسك على أسلوب واحد وطبّقه باستمرار.

وأثنت الخبيرة على ضرورة توضيح العواقب مسبقًا بطريقة هادئة وغير مخيفة، والبحث عن الحلول بدلًا من اللوم، فعندما يحدث خطأ، لا تنشغل بتوبيخ الطفل، بل ركّز على الحل، وعزّز السلوك الإيجابي بالمدح، فكل تصرف جيد فرصة لتقوية السلوك المرغوب.

 التعاطف يعلّم الطفل الذكاء العاطفي

وأشارت البطوش إلى أن نجاح التربية بالتفاهم لا يعتمد فقط على أسلوب التعامل مع الطفل، بل يبدأ من البيئة الأسرية نفسها، فالأطفال يتعلمون من النماذج التي يعيشون معها. إذا كان البيت مليئًا بالصراخ والخلافات بين الوالدين، يصبح من الصعب إقناع الطفل بقيمة الحوار.

وتابعت بأن البيئة التي يسودها التوتر الدائم تحرم الطفل من الأمان النفسي الذي يحتاجه للنمو الصحي، وتؤدي إلى تقليد السلوكيات السلبية في حياته اليومية. سواء مع أقرانه أو في المستقبل مع أسرته. عكس الأسرة التي تعتمد على النقاش الهادئ لحل الخلافات. وتستخدم لغة احترام متبادل، حيث تمنح الطفل درسًا عمليًا في كيفية التعبير عن مشاعره بسلام، وحل النزاعات بطرق بنّاءة. فقبل أن نطلب من الطفل الإصغاء والتفاهم، علينا أن نخلق له بيئة تُجسّد هذه القيم واقعًا. لأن التربية بالتفاهم ليست كلمات تُقال، بل نموذجًا يُعاش.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى