السوداني يختبر تحالفات جديدة.. هل يقترب من التيار الصدري؟

في منعطف حاسم قد يعيد رسم ملامح الحكم في العراق، تتفاقم مؤشرات الانقسام داخل التحالف الشيعي الحاكم، مع تصاعد لهجة الغضب من كتائب حزب الله ضد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.
فالاتهامات العلنية بـ«الارتهان للخارج» لم تعد همساً خلف الأبواب، بل تحولت إلى بيانات حادة اللهجة، تكشف عن شرخ آخذ في الاتساع داخل بيت «الإطار التنسيقي».
وبينما يستعد السوداني لخوض معركة انتخابية خلال أقل من 3 أشهر، قد تشهد ولادة ائتلافات جديدة بعيداً عن مرجعيته السياسية السابقة، تبدو البلاد أمام مشهد سياسي غير مسبوق، يؤشر إلى «صراع بنيوي»: رئيس حكومة يتحدى مراكز القوى الشيعية المسلحة، وفصائل تصر على احتكار القرار وتُلوح بخلط الأوراق داخل الدولة، ما ينذر باهتزاز التوازن الدقيق بين السلطة والسلاح في عراق ما بعد 2003.
فماذا حدث؟
في أحدث انتقاداتها، اتهمت كتائب حزب الله رئيس الوزراء بـ«التنكر لوعوده»، معتبرة أنه لم يلتزم بتعهداته تجاه الفصائل (المقاومة)، لا سيما في ما يتعلق بإخراج القوات الأمريكية من العراق، وتعديل مسار العلاقات مع واشنطن.
وفي بيان غير مسبوق في حدّته، اعتبرت الكتائب أن الحكومة «انحرفت عن مشروع المقاومة»، محذّرة مما وصفته بـ«التفريط في الثوابت الوطنية». ولوحت بإجراءات «قد تُعيد ترتيب المعادلة السياسية».
بيان يُنظر إليه بوصفه مؤشراً على عمق الخلافات بين الجناح المتشدد في الإطار التنسيقي ورئيس الوزراء، خاصة أن الكتائب كانت قد التزمت الصمت طوال الأشهر الماضية، وامتنعت عن توجيه انتقادات مباشرة للسوداني.
تفكك الإطار؟
مصادر سياسية مطلعة أكدت أن الخلافات بين السوداني وبعض مكونات الإطار باتت «بنيوية»، تتعلق باتجاه الحكومة نحو بناء مؤسسات الدولة بعيداً عن تدخل الفصائل، وهو ما تعتبره كتائب حزب الله وحلفاؤها «تنازلاً مرفوضاً» للولايات المتحدة وشركائها.
وتشير المصادر إلى أن السوداني يحظى بدعم نسبي من قيادات «تيار الحكمة» و«ائتلاف النصر»، بينما يواجه معارضة متزايدة من جناح كتائب حزب الله، وعصائب أهل الحق، وبعض الشخصيات المرتبطة بالحشد الشعبي مثل زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي.
وقالت المصادر إن «السوداني غاب عن اجتماع الإطار الشيعي الحاكم الذي جرى عقده في وقت متأخر من مساء الإثنين في مكتب القيادي في الإطار عبد السادة الفريجي في منطقة الجادرية».
ورجحت المصادر أن سبب عدم حضور السوداني يعود إلى «غضبه من دعوة الإطار الشيعي للأمين العام لمليشيات كتائب حزب الله أبو حسين الحميداوي الذي تورطت جماعته بالهجوم الذي وقع قبل عدة أيام في منطقة الدورة ببغداد والتي ادت إلى اشتباكات مع القوات الأمنية الرسمية وأوقعت قتلى وجرحى».
وأضافت المصادر أن «الحميداوي اتهم السوداني والقوات التي أرسلها إلى منطقة الدورة والتي عرفت بحادثة مديرية الزراعة بالوقوف وراء الاشتباكات التي وقعت».
وبحسب المصادر فإن الحميداوي حمل -أيضاً- زعيم مليشيات كتائب الإمام علي المنضوية في الحشد الشعبي (شبل الزيدي) مسؤولية إقالة مدير الزراعة في بغداد أياد كاظم علي وهو مقرب من الحميداوي.
المصادر أشارت إلى السوداني أبلغ قيادات الإطار بأن «أيادي كاظم علي وردت معلومات سلبية عنه، وهو محكوم بتهمة الاحتيال 2002 ومسجون 6 أشهر، كما أنه قد زور وثيقة دراسية وملفه الآن بأيدي هيئة النزاهة».
رسالة من السوداني للإطار
وأكد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في رسالته التي بعثها للإطار الشيعي، أن العراق يواجه «موقفاً خطيراً جداً»، داعياً إلى ضرورة تنظيم هيئة الحشد الشعبي وتقييد تصرفات الفصائل المسلحة، في خطوة تُعدّ من أقوى الإشارات الرسمية إلى الحاجة لإصلاح المنظومة الأمنية غير النظامية في البلاد.
وقال السوداني: «نحن ذاهبون إلى موقف خطير جداً ونحتاج أن نذهب إلى تنظيم الحشد وتقييد التصرفات»، مشيراً إلى ضرورة وضع ضوابط واضحة وحاسمة لضبط السلاح خارج إطار الدولة، وهو ما يعكس تصاعد القلق الحكومي من التحديات الأمنية والسياسية المرتبطة بنشاط بعض التشكيلات المسلحة.
وأكد أن القيادات العليا في الحشد الشعبي تمتلك تشكيلات عسكرية مستقلة، في إشارة إلى ضرورة إعادة النظر في توزيع السيطرة والقرار داخل الهيئة.
ورغم الانتقادات الضمنية لبعض السلوكيات، شدد السوداني على تمسّك الحكومة بالحشد الشعبي كقوة وطنية، قائلاً: «لن نتنازل عن الحشد». لكنه في الوقت ذاته طرح سؤالاً جوهرياً على القوى السياسية وصناع القرار: «هل نحن بحاجة للفصائل أم لا؟ لا بد من جواب بشكل واضح وقوي وشجاع حتى نقرر تبقى أو تنحل».
انسحاب من «طوق بغداد»
ورداً على الأزمة، أعلنت قيادة كتائب حزب الله إيقاف مشاركتها في مشروع «طوق بغداد» الأمني، وتسليم ما في عهدتها من مواقع وآليات إلى قيادة الحشد الشعبي، في خطوة فسّرها مراقبون بأنها رسالة احتجاج واضحة على سياسات السوداني الأمنية، وتُعد بمثابة انسحاب تكتيكي من التنسيق المباشر مع الحكومة، دون المساس بشرعية «الحشد الشعبي» ككل.
وقال زعيم مليشيا الكتائب أبو حسين الحميداوي، الذي وصف تحركات السوداني الأخيرة بأنها «رد فعل عاطفي» على مواقف إعلامية صدرت عن الكتائب، وليس قرار رجل دولة.
الحميداوي لم يتوقف عند حدود الاتهام، بل هدد علناً بإجراءات تمس مصالح السوداني الخاصة، بما فيها مؤسسات اقتصادية وبنكية ترتبط به، في حال استمراره في «شخصنة الأمور»، بحسب حديثه لقيادات الإطار الشيعي.
بدوره، شن المسؤول الأمني في الكتائب، أبو علي العسكري، هجوماً غير مسبوق على السوداني، معتبراً أن رئيس الوزراء «مدير ناجح لكنه لم يكن يوماً قائداً ناجحاً ولن يكون»، مضيفاً أن الحكومة تتعامل مع المقاومة بمنطق «التحجيم والتخويف»، بدلاً من الحوار والشراكة.
ووصف العسكري التوتر الذي تفجر على خلفية ما وصفته الكتائب بـ«حادثة دائرة الزراعة في بغداد»، التي رأت فيها فخاً أُعدّ مسبقاً بالتنسيق مع “شيعة وضباط فاسدين»، على حد قوله.
في ظل هذا التوتر، دعت كتائب حزب الله قادة الإطار التنسيقي إلى تحمّل مسؤولياتهم التاريخية واتخاذ موقف “جاد وحازم” قبل أن “يُسدل الستار على إرثهم السياسي”، على حد تعبير العسكري.
ويبدو أن الكتائب تسعى إلى دفع الإطار نحو كبح جماح رئيس الوزراء وتقييد تحركاته، أو حتى مراجعة دعمه للبقاء في رئاسة الحكومة، خاصة في ظل تصاعد مؤشرات الصدام بين “القرار الحكومي” و”القرار المقاوم”.
هل يتحالف السوداني مع الصدر؟
في خلفية هذا المشهد، تتحدث مصادر عن قنوات تواصل غير مباشرة بين السوداني وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، بهدف فتح الباب لتحالف انتخابي محتمل، يُقصي “الإطار” ويُعيد رسم الخريطة السياسية في البرلمان المقبل.
ورغم أن التيار الصدري لا يزال يلتزم الصمت، فإن بعض النواب السابقين المقربين من الصدر ألمحوا إلى إمكانية “التعامل الإيجابي” مع أي مشروع سياسي يضع حدًا لهيمنة الفصائل المسلحة على مؤسسات الدولة.
ويرى مراقبون أن ما يجري ليس مجرد خلاف سياسي ظرفي، بل صراع عميق بين مشروع الدولة ومشروع اللادولة التي تقوده الجماعات المسلحة، قد يحدد شكل النظام السياسي العراقي في المرحلة المقبلة.
ويعاني العراق من تحديات أمنية مركّبة، ترتبط جزئياً بوجود تشكيلات عسكرية شبه رسمية تعمل أحياناً خارج أو موازياً لسلطة الدولة، وهو ما يُنظر إليه على أنه أحد أهم العوائق أمام بناء دولة قوية ذات سيادة حقيقية.
وكان السوداني قد أعلن مراراً في الأشهر الماضية أن حكومته ماضية في فرض القانون وإنهاء المظاهر المسلحة الخارجة عن الإطار الرسمي، لكنه يواجه في ذلك تعقيدات سياسية وعقائدية ترتبط بتوازنات داخلية دقيقة.