الزراعة نوعان في العراق
من قال إن إيران لا تزرع في العراق؟
إنها تزرع مليشيات، لتقطف رؤوس ضحايا، وثماراً من زقوم الفشل والفساد.
الآن، وبعد أن دفعت البلاد إلى الإفلاس، تقف المليشيات الإيرانية حجر عثرة أمام الاستثمارات العربية في العراق خوفاً على مصالح إيران.
لقد نهبت هذه المليشيات مئات المليارات من الدولارات على امتداد السنوات الـ18 الماضية. وظل ملايين العراقيين يعانون الفقر والبطالة والحرمان، وتعثرت كل المشاريع التي كانت تذهب الأموال المخصصة لها إلى إيران.
وفازت الشركات الوهمية التابعة للحرس الثوري الإيراني بمئات العقود في مختلف القطاعات الاقتصادية. وبينما كانت تتسلم الأموال لتنفيذ تلك العقود، فإنها كانت تهرب بالمال وتترك ما بدأت به عند أقل من عشر معشار الطريق.
أما النهب المباشر عن طريق البنوك التابعة للمليشيات، لا سيما التلاعب بأسعار الصرف، فحدث ولا حرج.
الدمار الذي يعم معظم أرجاء العراق، والفشل الاقتصادي الذي شمل كل قطاعات العمل والإنتاج، وعشرات المليارات التي أنفقت على محاولات توفير الكفاية من الكهرباء وانتهت بالفشل، والفقر والجوع الذي يعض بأنيابه أكثر من 20 مليون مواطن، معظمهم من الشباب، والحرمان الذي تعانيه مدن الوسط والجنوب، إنما كان ثمرة “استثمار” إيراني واحد لنهب العراق ودماره. ولقد وظف هذا “الاستثمار” عصابات رعاع من سقط المتاع، لكي يؤدوا الخدمة لصالح العصابة الأكبر التي تحكم في إيران. وحيثما تجني الرؤوس لصالحها مئات الملايين بل المليارات، فإن الرعاع لا يكسبون إلا الفتات، وإلا ما تم السماح لهم به من أعمال السلب والنهب للمنازل التي تتعرض لاجتياحاتهم بين الحين والآخر.
زراعة نظام مليشياوي قائم على جني الفوائد من نهب موارد الدولة، وعلى تخريب القدرات الاقتصادية، حتى المحدودة منها، كان يقصد أن يحول العراق إلى مزرعة إحباط تذهب مواردها إلى إيران فتحول البلاد إلى ممر لغاز إيران وكهربائها وبضائعها، وكل شيء آخر مما تغطى بمشروع طائفي للتفرقة بين العراقيين، ولإضافة مشروعية مذهبية على أعمال القتل والتدمير والتهجير ونشر الحرمان.
ويجب الاعتراف بأن “الاستثمار” التخريبي الإيراني لا يزال راسخاً، برغم الإفلاس وبرغم كل ما تم فرضه من فشل، بل وبرغم كل الفضيحة التي دفعت ملايين العراقيين إلى الاحتجاج ضد نفوذ إيران ومليشياتها في العراق.
هذه المليشيات لا تريد استثمارات عربية لعدة أسباب متلازمة:
أولا، لأنها تؤدي إلى إضعاف النفوذ الإيراني، وبالتالي إضعاف نفوذ العصابات التي توفر له أدوات الحماية الداخلية.
وثانيا، لأنها تفضح فشل هذا النفوذ، وتكشفه عاريا كنفوذ تخريبي يقصد النهب لا البناء.
ثالثاً، لأنها استثمارات غير صالحة لأعمال الفساد، ولا يمكن نهبها بالوسائل التي اعتادت بها إيران نهب موارد العراق.
لقد عرضت السعودية استثمارات لزراعة مليون هكتار من الأراضي الصحراوية في أربع محافظات عراقية هي الأنبار والمثنى والنجف وكربلاء، تسمح بإعادة توظيف ما يتوفر فيها من مياه جوفية.
وما من استثمار أكثر نبلاً وإخلاصاً من إعادة إحياء أرض يباب. فعدا عن الموارد الزراعية نفسها، وما تعنيه من توفير الأمن الغذائي، ومكافحة التصحر، فإن من شأن هذا المشروع وتوابعه الإنتاجية أن يوفر ما لا يقل عن مليون وظيفة لأولئك الذين تُركوا لعقدين من الزمن يعانون شظف العيش والبطالة.
فماذا فعلت مليشيات الولي الفقيه؟
هاجمت المشروع، وبدأت شراء الأراضي، خاصة القريبة من الحدود بين البلدين، بأبخس الأثمان، وزعمت أنها هي التي ستقوم بزراعة بعض الهكتارات.
هل نجحت عصابة، في أي وقت من الأوقات، في إدارة مشروع إنتاجي من أي نوع كان؟
طبيعتها بالذات لا تسمح لها بذلك. فالمليشيات مليشيات في النهاية، وليس من طبيعتها أن تطيق صبراً على الحنطة حتى تصبح خبزاً. والاستثمارات الزراعية نفسها لا تمنح الكثير من فرص الفساد، لأنها عمل شاق، وما لم يكن المستثمر قادراً على ضبط عائداته حتى آخر قرش، فإنه لن يستطيع المنافسة في سوق مفتوحة. وذلك فوق أن قصة الاستثمار في الزراعة تتطلب موارد أكبر من أن تجرؤ مليشيات استمرأت النهب على أن توفرها. فالزراعة معدات، ومواد استصلاح، وموارد مائية مستدامة، وأيدٍ عاملة، وخبرات فنية من كل نوع، ومصانع لتحويل الإنتاج الزراعي إلى بضائع وأسواق.
هذا عمل لا يمكن لأي عصابة أن تقوم به، حتى ولو وقف على رأسها مليارديرات.
لقد زرعت إيران مليشيات في العراق لكي تدمر الزراعة. وتريد السعودية، وبعض العقلاء في الحكومة العراقية، أن تزرع بمعايير دولة، لكي تعيد زراعة مقدرات الحياة في ذلك اليباب بالذات.
هذا هو الفارق بين نوعين من الزراعة. واحد، يزرع الفساد والإرهاب، والآخر يزرع الحنطة وينتظر خبزاً.