الرياضة والسياسة


العلاقة بين الرياضة والسياسة علاقة جدلية، يسهم كلاهما في بناء السلام المستدام بين الشعوب والدول، فمن المسلمات في السياسة الدولية أن الرياضة تسهم في علاج المشاكل السياسية بين الحكومات، وتفتح أبواب التصالح بين الدول، وإن تسببت الرياضة في أزمة بين الشعوب تتدخل السياسة وتعالج ما نتج عن انفعالات المشجعين.

لقد أصبحت الرياضة جزءاً من الوسائل الدبلوماسية بين الدول، فمنذ 1971 برز مفهوم “دبلوماسية البنج بونج”، حين زار فريق كرة الطاولة “البنج بونج” الأمريكي جمهورية الصين الشعبية في أبريل من عام 1971، بعد قطيعة استمرت لأكثر من عشرين عاماً، بسبب الحرب الكورية وحرب فيتنام، ومساندة الولايات المتحدة استقلال تايوان عن الصين، وكان التصالح بين الدولتين هو نتيجة المباراة التي لم يهتم أحد بنتيجتها الرياضية، ولا يكاد أحد يذكر من فاز فيها، وإنما يذكر الجميع أن هذه المباراة كانت بداية لعودة العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، وبعدها أصبح العالم يتكلم عن “دبلوماسية البنج بونج”.

بالأمس كانت مباراة بين الإمارات وقطر، وانتهت حسب قواعد اللعبة، مثلها مثل أي مباراة في القارات الخمس، ولكن للأسف تحولت الرياضة -التي هي وسيلة لتقريب الشعوب البعيدة- إلى مجال لممارسة وصلات مستمرة من “الردح” القطري ضد الإمارات ومصر السعودية، لقد انخرطت كل منظومة مرتزقة الحكم في قطر في ممارسة أحط أنواع “الردح” مع الجميع، من الدولة المضيفة التي كان فريقها شريكاً في المباراة، إلى دول بعيدة مثل مصر، فقد تم استغلال الرقم 4 لمناكفة الحكومة المصرية والشعب المصري، من خلال إعادة لطميات اعتصام رابعة الذي شارك في صنع مأساته الإخوان أنفسهم، من أجل استثمار الدماء دولياً لتحقيق مكاسب سياسية، ودعمتهم قطر، وتولى قيادتهم السلطان الواهم في إسطنبول.

كان الجميع يظن أنها لعبة.. أنها رياضة، ولكن الصبيان الذين يحكمون في الدوحة والمرتزقة الذين تم استئجار بعضهم وشراء البعض الآخر قد تحولوا إلى توظيف الحدث الكروي سياسياً، ومحاولة إعطاء دلالات سياسية لنتيجة مباراة تديرها الأقدام والأحذية، ولا علاقة لها بالسياسة ولا بالحكمة ولا بالرشد في إدارة الدول، ولأن نظام الصبيان في قطر سقفه المعرفي ونهاية حدود عقله تقف عند مستوى الأقدام والأحذية الرياضية، اعتبر أن مجرد ضربات بأقدام أجانب لا علاقة لهم بقطر ولا بشعبها، تم شراؤهم، ومن أجل تحقيق أكبر عملية تزوير وخداع كروية في تاريخ العالم تم إعطاء الجنسية القطرية لهم؛ لأنه لا يجوز في قوانين الكرة أن يكون معظم أعضاء الفريق من الأجانب المحترفين الذي تم شراؤهم بالمال.

الحدث الرياضي أمس يقول لنا إن نظام الصبيان في قطر تقف حدوده عند عقلية داحس والغبراء ولم يدخل العصر بعد، ولذلك لا مجال للتفاهم معه، أو التعايش مع هكذا عقل صغير رجعي ومتخلف عن قيم وأخلاقيات العصر، ولا مجال للتفاهم ولا للمصالحة، لقد وضع هذا النظام المتهور المغرور غرور المراهقين قواعد اللعبة السياسية معه، إنها “مباراة صفرية” بلغة العلاقات الدولية، يعني أن هناك من سوف سيكسب كل شيء، وهناك من سيخسر كل شيء، وبالتأكيد سيخسر هذا النظام كل شيء، فلا مكان له في العالم العربي، ولا بد أن يتم التعامل معه بهذا الشكل.

لست من المهتمين بالرياضة ولا بمتابعتها، ولكن ما آلمني بشدة أنني كنت خلال الأسبوعين الماضيين أقطن في الفندق نفسه الذي تقطن فيه فرق كرة القدم القطرية وغيرها، وكنت أجلس لأحصل على كوب من القهوة في ردهة الفندق واللاعبون والإداريون في كل مكان، لم أكلم أحداً ولم يكلمني أحد، وفي يوم الأحد الماضي كنت أجلس بصحبة صديق إمارتي، وحين لاحظنا أحد الإماراتيين جاءنا بأسطوانة مضغوطة عليها أشياء لتشجيع فريق الإمارات، سلم صديقي الإماراتي واحدة وسلمني واحدة، فشكرته ودعوت له، فما كان منه إلا أن طلب مني أن أخفض صوتي حتى لا يسمع دعائي لهم أحد من أعضاء الفريق القطري الجالسين بعيداً عنا، ويستحيل أن يسمعوا ما أقول.. ابتسمت له، وقلت لصديقي الإماراتي أنتم شعب مستفز في أدبه وكرم أخلاقه وحسن ضيافته، يخاف هذا الرجل على مشاعر خصمه من دعوة من إنسان لا يعرفه أحد.

هذه هي الأخلاق في الرياضة وفي غيرها، ومن يتخلى عنها فهذا شأنه، وشأن صبيان وغلمان وجواري البلاط القطري.

نقلا عن العين الإخبارية.

Exit mobile version