الرقص مع الإخوان
في الأسبوع الماضي شهدت مواقع التواصل الاجتماعي الناطقة باللغة العربية بمختلف لهجاتها جدلا واسعا.
كان عنوانه: عبد الفتاح مورو القيادي الإخواني ومرشح حركة النهضة في الانتخابات الرئاسية التونسية الأخيرة.
الحكاية بدأت بنشر الفنانة التونسية مريم بن مولاهم صورة تجمعها بمورو في حفل خطبتها.
كانت الصورة عفوية جدا تظهر العروس وهي ممسكة بيدي الشيخ وكأنهما يرقصان، وعلقت عليها مريم بتوجيه الشكر لمورو الذي لبى دعوتها لحضور الحفل.
ليس في الصورة ما يشين الرجل دون شك، لكن الجدل الذي انطلق بعد نشرها دفع مورو إلى الدفاع عن نفسه وتأكيد أنه لم يكن يراقص العروس بل إنه احترم رغبة أبيها في أن يحييها قبل مغادرة الحفل، ففعل، وحينئذ التقطت الصورة التي أثارت كل هذا الجدل.
وبعيدا عن السياق الذي التقطت فيه الصورة، وبغض النظر عن الدوافع التي حملت مورو على حضور الحفل، فإن اللافت للانتباه أن هذا الجدل الذي اتسع نطاقه على نحو متسارع لم يثر انتباه وسائل إعلام الإخوان المنتشرة بطول البلاد وعرضها، ولم يلفت نظر لجانهم الإلكترونية المتفرغة لاصطياد لقطة من هنا وكلمة من هناك لشن الحملات وإثارة الفتن ضد معارضي الإخوان ورافضي إرهابهم.
ولنا أن نتخيل كيف كانت منصات الإخوان ولجانهم الإلكترونية ستتعامل مع صورة كتلك في حال التقطت لواحد من السياسيين المعارضين لهم؟
طبعا ما كانوا ليفوتوا الفرصة دون أن يضخموا الأمر ويحولوا هذه الصورة العفوية إلى معركة على “الإنحلال الأخلاقي”، الذي دفع عجوزا للرقص مع فنانة ترتدي فستانا عاريا.
لكن لأن الأمر يتعلق بأحد رموزهم فقد ابتلعوا جميعا ألسنتهم وتجاهلوا الواقعة التي لم يكن هناك مجال لتكذيبها أو القول بفبركتها.
المتحرش الإخواني
في الأسبوع الماضي أيضا غرد طارق سعيد رمضان حفيد مؤسس جماعة الإخوان حسن البنا على موقع تويتر طالبا من متابعيه قراءة سورة “يس” والدعاء لله بأن ينصر الحق والعدل والحرية والصدق.
لم يوضح طارق سبب طلبه، لكن المتابعين لفضائحه ربطوا تغريدته بسير التحقيقات معه في التهم المنسوبة إليه بالتحرش والاغتصاب لعدد من النساء.
طارق سعيد رمضان الذي اعترف بممارسة “الزنا ” مع سيدتين بعد أن اتهامات بالتحرش والاغتصاب بالقوة، يواجه تهما مماثلة من نساء أخريات بعد أن صدرت ضده أحكام قضائية بالإدانة في الواقعتين الأوليين.
ما حدث مع مورو وما طلبه طارق في الأسبوع الماضي يعيدنا إلى أعوام 2015 و2016 و2017 وهي الأعوام التي تفجرت فيها فضائح حفيد مؤسس الإخوان الجنسية، والتي ثبتت إدانته فيها عندما اكتشفت سلطات التحقيق وجود 776 صورة إباحية على الوثائق المملوكة له لتتوالى قصص الفضائح والابتزاز الجنسي التي ارتكبها طارق الموصوف في أدبيات الإخوان بالمفكر الإسلامي والذي يجري تسويقه كرمز من رموزهم.
ما يهمنا هنا هو كيف تعاملت وسائل الإعلام الإخوانية ولجانهم الإلكترونية مع وقائع اتهام طارق والتحقيق معه ومحاكمته؟ لقد شنت حملات دفاع واسعة النطاق عنه وصوروا الأمر باعتباره حملة على “الإسلام” ورموزه بل ووصفوا محاكمته بأنها ترجمة عملية لما يعرف بظاهرة الإسلاموفوبيا التي تمولها الجماعات المناهضة للإسلام في الغرب.
حتى بعد أن اعترف طارق رمضان بجرائمه لم تتوقف ماكينة الدعم الإخوانية بل وحصل بعدها على تمويل قطري لافتتاح مركز إسلامي جديد في محاولة لتبييض صورته التي لطختها ممارساته الجنسية الشاذة.
راسبوتين الدعوة
والقارئ لتاريخ الإخوان خاصة سنوات التأسيس وممارسات رموز الرعيل الأول لن تدهشه ممارسات الجيل الحالي، وإن كان الحفيد قد اتهم بالاغتصاب وأدين بعد أن اعترف بممارسة ” الزنا بالتراضي” وليس بالإكراه فقد ارتكب الجد مؤسس الجماعة حسن البنا ما يستحق الإدانة أيضا.
صحيح أن البنا لم يتهم بالتحرش أو الاغتصاب لكن “زوج شقيقته” عبد الحكيم عابدين اتهم بتلك التهم، وكان هذا حوالي عام 1945.
في هذا الأثناء كان عابدين أحد مراكز القوة داخل الجماعة بحكم مصاهرته لزعيم التنظيم، مشرفا على نظام ابتدعه البنا لتأليف قلوب الأعضاء حسب أدبيات الجماعة، والنظام يقوم على فكرة التزاور في البيوت حيث يتاح للأسر الإخوانية التقارب والتآلف.
كان عابدين يحل ضيفا على بيوت أعضاء الجماعة، ولم يكن محل شك بكل تأكيد، بل كان حضوره محل تقدير من الجميع حتى تكررت وقائع تحرشه بنساء الجماعة وزوجات الأعضاء خاصة المعتقلين.
وحين أسر عدد من الأعضاء بما يرتكبه وقدمت عدة شكاوى للمرشد حسن البنا ضد زوج شقيقته أقيمت أول محاكمة أخلاقية في صفوف الجماعة، ورغم ثبوت الوقائع “التي يشيب لذكرها الولدان” على حسب وصف مقدمي الشكاوى، إلا أن البنا أصر على تبرئة صهره بل واتهام مقدمي الشكاوى بمحاولة إثارة الفتنة داخل صفوف الجماعة.
تستر البنا على وقائع التحرش التي ارتكبها عابدين بل وفصل عددا ممن طالبوا بمعاقبته وطرده من الجماعة، وتسبب هذا الأمر في استقالة العشرات من الجماعة لاحقا احتجاجا على سلوكيات عابدين وتستر البنا.
ما حدث مع عبد الفتاح مورو ومن قبله طارق سعيد رمضان ومن قبلهما عبد الحكيم عابدين يقدم دليلا صارخا على أكاذيب الإخوان وشذوذ سلوكياتهم وفي هذا حديث يطول ووقائع تتوالى.