سياسة

الرؤية الملكية.. طريق الرياضة السعودية من حلم البدايات إلى صدارة العالم


يعيش المغرب اليوم واحدة من أكثر لحظات التحول عمقاً في تاريخه الرياضي الحديث، وهي لحظة تتويج لمسار طويل من العمل المتراكم الذي صاغته رؤية ملكية استباقية جعلت من الرياضة ليس مجرد نشاط تنافسي، بل مشروعا مجتمعيا، ورافعة للتنمية، وجسرا للتواصل بين الشعوب والحضارات.

 خلال عقدين من الإصلاح المتدرّج والمتكامل، نجح المغرب في إعادة تشكيل المنظومة الرياضية بالكامل، واضعا أسساً احترافية وبنيات تحتية من طراز عالمي، ومستنداً إلى مقاربة تقوم على التخطيط بعيد المدى، استشراف المستقبل، واستثمار الإنسان بوصفه محور العملية الرياضية.

هذه المقاربة التي أرسى دعائمها العاهل المغربي الملك محمد السادس هي اليوم في لحظة حصاد؛ إذ تجني المملكة ثمار هذا التحول الهائل من خلال سلسلة الإنجازات الكبيرة التي حققتها الرياضة المغربية، خصوصاً في كرة القدم للرجال والنساء والشباب، والتي جعلت المغرب في صدارة المشهد الرياضي الإفريقي والدولي.

وفي هذا السياق، يلخص الخبير والمحلل الرياضي الفرنسي كلود تولي هذه الدينامية بقوله إن المغرب “يتقدم بخطى ثابتة في ما يتعلق بالاستراتيجية الرياضية”، مشيراً في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء (المصدر) إلى أن المملكة “تبني مشروعا ممتداً على المدى الطويل، برؤية شاملة ومهيكلة ومستدامة”.

وتؤكد قراءة تصريحات كلود تولي أن جوهر النجاح المغربي يكمن في الانتقال من مقاربة مؤقتة إلى إستراتيجية طويلة الأمد، فقد عمل المغرب على تحديث البنيات التحتية وتطوير الهياكل التنظيمية واحتراف التسيير، مع إيلاء أهمية قصوى لتكوين المواهب.

وتقوم هذه الرؤية على ثلاثة أعمدة أساسية:

بنيات رياضية من الجيل الجديد تشمل ملاعب كبرى بمعايير دولية، مراكز تدريب متطورة، ومرافق رياضية حديثة موزعة على مختلف جهات المملكة.

منظومة تكوين احترافية تعتمد على توحيد المناهج، تأهيل الأطر التقنية، وتطوير شبكات الكشف والاستقطاب.

انفتاح استراتيجي على الجالية المغربية في الخارج مما مكّن المنتخبات الوطنية من تعزيز صفوفها بلاعبين ينشطون في أقوى البطولات الأوروبية.

ويشير تولي إلى أن هذه المقاربة “ضمنت الاستمرارية التقنية بين فئات الشباب، وأرست قاعدة صلبة لنجاح المنتخبات الوطنية”. كما يلفت إلى أن كرة القدم داخل القاعة وكرة القدم النسوية استفادتا بدورهما من هذه الدينامية، في نموذج إصلاحي يعكس وحدة الرؤية وشموليتها.

أكاديمية محمد السادس قلب الثورة الرياضية

ويرى الخبير الفرنسي أن أكاديمية محمد السادس لكرة القدم تمثل “تتويجاً لاستراتيجية متبصرة”، وهي بحق حجر الزاوية في المنظومة الرياضية الجديدة، فالتحول الذي أحدثته الأكاديمية، وفق تولي، هو “ثورة هيكلية في مجال التكوين”، تُرجم إلى:

توحيد المناهج التدريبية

احترافية التأطير التقني

حكامة صارمة وفعّالة

نموذج تعليمي يجمع بين التكوين الرياضي والتحصيل العلمي

وقد أثمرت الأكاديمية جيلاً جديداً من المواهب التي تتألق اليوم في الأندية الأوروبية وفي مختلف فئات المنتخبات المغربية. كما أصبحت الأكاديمية “مرجعاً دولياً” تستلهم عدة دول من تجربتها في تحديث منظومات تكوين اللاعبين.

الرياضة رافعة للتنمية

ولا يتوقف تأثير الرؤية المغربية عند حدود النتائج الرياضية، بل يمتد إلى مستويات اقتصادية وتنموية، فاستضافة المملكة لبطولات كبرى مثل كأس إفريقيا للأمم 2025، كأس العالم للشباب، وخصوصاً كأس العالم 2030 (بشراكة مع إسبانيا والبرتغال) يشكل، وفق تحليل تولي، “محفزاً لتسريع تطوير البنيات التحتية، وتنشيط السياحة، وخلق فرص الشغل، وجذب الاستثمار”.

هذه الأحداث ليست فقط مناسبة لتقديم صورة المغرب الحديثة، بل هي أيضاً استثمار طويل الأجل يولّد إرثاً مستداماً يشمل ملاعب جديدة، تحسينات في النقل والخدمات، وترسيخ حضور المغرب كقوة رياضية ووجهة عالمية.

لقد تجسدت الرؤية الملكية في نتائج ميدانية غير مسبوقة، جعلت من المغرب تجربة رياضية مرجعية قارياً ودولياً. وفي ما يلي أبرز الإنجازات:

أسود الأطلس (منتخب الرجال)

إلى جانب بلوغ نصف نهائي كأس العالم 2022 كأول منتخب إفريقي وعربي يصل هذا الدور، واصل المنتخب تألقه في 2024–2025 بتحقيق سلسلة من الانتصارات المتتالية في التصفيات القارية — فعلى سبيل المثال، فاز على الغابون 5-1 في نوفمبر 2024.

الأداء القوي خلال هذه الفترة عزّز موقع المغرب بين النخبة — صعد في ترتيب فيفا إلى المركز 11 عالميًا في يونيو 2025 بعد انتصارات على تونس وبنين.

هذا الاستقرار والانضباط، مع الاعتماد على قاعدة تتنوّع بين تجارب دولية ودماء شابة، يعكس أن المنتخب لم يعد مجرد نتاج لحظة، بل أصبح مشروعًا مستدامًا.

أشبال الأطلس (منتخبات الفئات السنية)

يشارك المنتخب المغربي لأقل من 17 سنة في كأس العالم تحت 17 سنة 2025 ضمن مجموعة صعبة تضم اليابان والبرتغال. رغم ذلك، قدم “أشبال الأطلس” عرضًا هجوميًّا جذّابًا وسجل 16 هدفًا في مباراة ضد كاليدونيا الجديدة — وهو رقم قياسي على مستوى البطولة.

هذا الأداء يؤشر إلى عمق في التكوين والثروة الشابة في كرة القدم المغربية، ويُعبّر عن طموح فأرقة الأجيال القادمة في ترك بصمة على المستوى القاري والعالمي.

 لبؤات الأطلس (منتخب السيدات)

حافظ المنتخب النسوي على مكانته كأحد أقوى المنتخبات الإفريقية — فقد حلّت ثالثة إفريقيا حسب أحدث تصنيف للفيفا (2025)، رغم تراجع طفيف في التصنيف العالمي.

في النسخة الأخيرة من كأس الأمم الإفريقية للسيدات 2024 (أقيمت فعليًا في صيف 2025)، صعدت لبؤات الأطلس إلى النهائي للمرة الثانية على التوالي، رغم خسارة نهائية ضيقة أمام نيجيريا 3-2. عند النظر إلى مجمل المعطيات، يتبين أن نجاحات المغرب ليست ظرفية ولا عابرة، بل هي حصيلة مشروع دولة قائم على رؤية ملكية واضحة، واستثمار طويل الأمد، وتأسيس بنيات صلبة تتكامل فيها سياسة التكوين، التحديث، الاستدامة والانفتاح الدولي.

لقد تحولت الرياضة في المغرب من نشاط محدود التأثير إلى محرك للتنمية، وأداة للقوة الناعمة، ورمز لنهضة وطن يشتغل بهدوء وبخطى ثابتة لبناء المستقبل. وما تحقق حتى الآن لا يبدو سوى بداية لمسار أكبر، خصوصاً مع تنظيم المغرب لكأس العالم 2030، الحدث الذي سيجعل المملكة في قلب المشهد الرياضي العالمي ويمنحها فرصة تاريخية لتعزيز دورها الحضاري والاقتصادي والرياضي.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى