سياسة

الخليج في حياة الفلسطينيين


أفدح خطأ يمكن ارتكابه، هو رهن العلاقة الفلسطينية بدول الخليج والدول العربية عموماً بمؤثرات التقلبات السياسية التي يزخر بها الشرق الأوسط.
ذلك أن السياسة في هذا الجزء من العالم محكومة بحركة عواصف دائمة، لا يُعرف متى تهب ومتى تهدأ؛ إلا أن الثابت هو أن كل عاصفة تسلِّم المنطقة إلى عاصفة أخرى، وعلى الجميع التعايش مع مخلفاتها.
الفلسطينيون كانوا أكثر الخاسرين في هذا المناخ المتقلب، ولو قارنَّا بين حالهم وحال قضيتهم قبل الربيع العربي مثلاً وأثناءه، ونحن ما نزال في زمنه، فإننا نجد؛ ليس تراجعاً كما يفضل المحللون استخدام هذا الوصف؛ بل انقلاباً قطع القديم عن المستجد، وخلق وضعاً مختلفاً؛ إلا أنه يُدار وفق القواعد القديمة والاعتبارات التي لم تعد قائمة.
يتعين على الطبقة السياسية الفلسطينية – والحالة هذه – أن يوسعوا دائرة الاهتمام والمعالجة، فهم ليسوا مجرد جهة تتفق أو تختلف مع الآخرين حول تطور ما؛ بل إنهم شرعية معترف بها كجهة مسؤولة عن الشأن الفلسطيني من كل جوانبه. والشأن الفلسطيني قوامه أربعة عشر مليون إنسان، يقيم جزء مهم منهم على أرض الوطن، والجزء المهم الآخر خارجه، وهذا ما يتطلب رعاية متقنة لمصالحهم جميعاً أينما وُجدوا، فهم متفقون على الهدف السياسي ولكنهم مختلفون من حيث البيئات التي توجد فيها تجمعاتهم، ودول الخليج واحدة من أهم هذه البيئات.
الفلسطينيون في الخليج لا يعيشون في مراكز إيواء لاجئين؛ بل يعيشون في بلدان ومجتمعات ترى أن مؤهل بقائهم فيها هو مدى إسهام كل فرد فلسطيني في حياتها ومجالات نموها من كل النواحي. صحيح أنهم لا يحظون بما يحظى به مواطنو الدول المضيفة على صعيد الجنسية والمشاركة السياسية، إلا أن ذلك ليس ما يريدون؛ لأنهم يريدون – كغيرهم من ذوي الجنسيات الأخرى العاملة في الخليج – حماية لحقوقهم المكتسبة ومصالحهم، وهذا ما حصلوا عليه؛ بل وتوفرت لهم من أجله حمايات قانونية يُعتمد عليها.
للقضية الفلسطينية التي تزداد احتمالات حلها بما يرضي شعبها تعقيداً، رصيد ذاتي هو الشعب الفلسطيني الذي تقيم طليعته السياسية والكفاحية الرئيسية على أرض الوطن، وتسنده بالدعم والتبني والالتزام كثافة بشرية تنتشر على كل بقاع الأرض. وبوسعك ملاحظة ذلك الاندماج الكامل بين كل الفلسطينيين في أمر هدفهم السياسي (عودة ودولة) من دون أن يختل هذا الاندماج أو يتفكك بفعل المتغيرات والتقلبات التي يواجهون في أي مكان يعيشون عليه.
الخليج من أكبر مراكز التجمعات الفلسطينية المنتجة، وإن جاز لنا أن نصنف واقع الفلسطينيين هناك فهم ينطوون تحت ثلاث فئات: «ممتازة» يجسدها اقتصاديون وأكاديميون وإداريون كبار، و«جيدة» يجسدها موظفون ومهنيون وخبراء، و«مريحة» تجسدها البقية. وكلمة البقية تعني عدداً بمئات الألوف.
وهؤلاء ليسوا عبئاً؛ لا على وطنهم الأم لأنهم يرفدونه بقدر مهم من احتياجاته كضريبة وطنية، وليسوا عبئاً على الكيانات والمجتمعات التي تستضيفهم، ما داموا جزءاً من حياتها يحصلون على ما لهم ويعطون ما عليهم.
الخليج ومركزه السعودية، ضرورة استراتيجية للشعب الفلسطيني، وإذا كانت العواصف السياسية تنتج خلافات واختلافات، وهذا شأن السياسة في منطقتنا وفي كل مكان، فإن المصالح الحقيقية والعميقة للشعوب تلزم بالبحث الدائم عن أفضل وأنجع السبل لحمايتها. وبالنسبة للفلسطينيين فإن معادلة ضرورية لا مناص من الإقرار بها والتعامل على أساسها، قوامها أن من يتحدون في واقع الحرمان من الجنسية والوطن، ويتوزعون على بيئات مختلفة ذات ثقافات متعددة وسياسات متعارضة، يحتاجون إلى ذكاء وقدرات استثنائية كي يديروا بكفاءة، وبأقل قدر من الضرر، شؤونهم المزدوجة، أي حياتهم العادية، وانتماءهم لقضية سياسية بالغة التعقيد، وذلك يتطلب أول ما يتطلب صياغة علاقة تفاعلية مؤطرة بين جميع مكونات الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، جنباً إلى جنب مع الحفاظ على العلاقات التفاعلية الإيجابية مع البيئات والمجتمعات المضيفة. كان ذلك متوفراً زمن وحدانية منظمة التحرير في القيادة والتمثيل، ولكنه الآن لم يعد كما كان.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى