الحيل الإخوانية.. تونس في مرمى سهام تركيا وقطر
“لا تستهن بعصا صغيرة في يد إخواني ماكر، فستكتشف أنها تحولت فجأة في يده إلى مشنقة كبيرة تكفي لإبادة جيل كامل”، تلك مقولة رددها يوما أحد المنشقين عن تنظيم الإخوان في مصر.
وبقليل من التدقيق نكتشف الكثير من الحيل والخداع والمكر والمداهنة، فهم يتسربون دائما من بين أصابعنا ومن بين عيوننا، وبالتجربة اتضح جليا أنهم فعلا أفسدوا ديننا ودولنا.
من هنا أعود مرة أخرى لأكمل المخطط الإخواني المارد للشقيقة تونس، ذلك المخطط الذي حركته أيادي أردوغان وأموال قطر، كل شيء في العقلية الإخوانية، لابد أن يمر بالاقتصاد بل وأحيانا ينتهي إليه والسياسية والحكم هما الغاية دائما.
وصول حركة النهضة، الذراع السياسي للإخوان، الذي مازال يتحرك ولم يبتر حتى الآن، لرئاسة البرلمان، وتشكيل الكتلة الأكبر فيه كان المنطلق الأبرز لبداية تنفيذ الخطط والأحاييل.
هنا سأشير إلى مخطط خطير بدأ بتمرير اتفاقيتين مثيرتين للجدل داخل البرلمان :
الأولى تخص تمكين الوجود القطري في تونس وهي :
اتفاقية إنشاء فرع للصندوق القطري للتنمية في تونس، تلك اتفاقية ملغومة حيث تعطي سلطات واسعة تفوق بمراحل سلطات الدولة، إذ لا يحق للدولة التونسية أن تتدخل لا من قريب ولا من بعيد في المشاريع التي يشارك فيها الصندوق.
كما يحق للصندوق أن يقيم شراكات مع أي أطراف أو دول أجنبية دون الرجوع إلى الدولة ولا يحق للدولة أن تعترض، كما يحق للصندوق أيضا تحويل أمواله التي يربحها إلى خارج تونس وإلى أي جهة وبالعملة الصعبة دون إذن مسبق.
طبعا الاتفاقية حتى الآن لم يتم تمريرها، ومن الواضح أن الوعي الشعبي التونسي مدرك لخطورتها، لأنه ببساطة يراد منها أن تكون تونس مركزا لتحريك المال القطري التركي إلى جميع أنحاء المنطقة لإثارة القلاقل ودعم الحركات الإرهابية، كما يراد لتونس أن تكون بؤرة تربية وتثمين الكوادر الإرهابية لإعادة نشرها في المنطقة.
أما الاتفاقية الثانية فهي تمثل الوجود التركي في تونس وهي :
– محاولة إقرار مشروع للتشجيع والحماية المتبادلة للاستثمار بين تركيا وتونس، هو مشروع قانون يسمح ويسهل التواجد التركي أشخاصا وأموالا ويعطي كامل الامتيازات دون أي رقابة أو قيود.
طبعا هناك حالة إجماع وطني من بعض الكتل البرلمانية، صحيح هي لا تشكل الأغلبية لكنها صنعت حالة رواج شعبي ضد هذه المؤامرة القطرية التركية وفتحت النار على راشد الغنوشي نفسه وعلى حركة النهضة.
لم يقف الغنوشي ومن خلفه تركيا وقطر عند هذا الحد، بل جاهر علانية بموقفه تجاه القضية الليبية، موقفه الذي هو موقف أردوغان وموقف قطر، حين اتصل بالسراج ليهنأه على ما اعتبروه تقدما عسكريا في ليبيا، رغم أن موقعه كرئيس للبرلمان لا يسمح له بهكذا تصرف.
فالسياسية الخارجية هي من صميم السلطة التنفيذية المتمثلة في رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيس الحكومة، وأن البرلمان ليس له دور سوى التشريع وفقط.
وما فعله الغنوشي يعتبر هدما متعمدا للدستور التونسي، الذي مثله مثل باقي دساتير العالم يقوم على مبدأ الفصل بين السلطات، فقد ظهر الغنوشي باعتباره مالكا للسطة التشريعية كأنه يبتلع السلطة التنفيذية، ومن خلال حركة النهضة تغولت سلطة على سلطة أخرى .
وصحيح أن الرئيس “قيس سعيد” ظهر مؤخرا وهو يهنئ الشعب التونسي بعيد الفطر، وهو يعلن “أن تونس ليس لها سوى رئيس واحد”، في إشارة فهمت أنها موجهة إلى الغنوشي وفريقه.
كل ما مضى كان تمكينا للقدم السياسية في الجغرافية التونسية لتتحرك منها إلى بقية المنطقة .ثم بعد ذلك يأتي تمكين القدم الأخرى وهي قدم الفتوى، ما كان لهذا المخطط أن يتحرك إلا بعد أن يتم خلق غطاء فقهي شرعي له، فلا يكتمل الدور السياسي بدون وجود “شيخ” .
“حاكم وشيخ” هي إذا تلك المعادلة الإخوانية القديمة، فكان لابد من إيجاد بديل للمفتي التقليدي القديم، وهو “يوسف القرضاوي” ،ربما لأنه أحُرق، أو ربما تكون “قطر” قد التزمت مع بعض دول العالم بضرورة إبعاد هذا الرجل الذي ثبت تورطه فكريا في خلق غطاء شرعي للإرهاب في المنطقة.
وبالتالي جاء التفكير بسرعة في “الصادق الغرياني” الذي احتفظ به أردوغان عنده منذ سنوات، ليكون ورقة يحركها كيفما يشاء لخدمة مصالحه.
السيرة الذاتية للغرياني، تجعله ينطلي على بعض الشعوب والفئات، فقد درس الفقه المقارن وحصل على الدكتواره، وله العديد من المؤلفات، وكان مفتيا فعلا، ولكن تم عزله و هو ورقة مهمة لأردوغان.
الغرياني رجل لا يقول لا لمن ينفق عليه، أردوغان أسس له قناة تلفزيونية وأعطوه سبعة ملايين دولار للإنفاق عليها، والمال لم ينقطع حتى الآن، والذي يريد أن يتاكد من طاعة الرجل يمكن له أن يراجع فتاويه .
لماذا تم استدعاء هذا الرجل الآن؟ وما موقعه في تلك المؤامرة؟
هو استدعى نفسه بنفسه، فقد ظهر ليلة عيد الفطر المبارك ليعلن للناس فتوى مصورة، تابعناه على معظم شاشاتنا الفضائية، يقول فيها ما يلي “يجب أن يكون لتركيا “الشقيقة” الأولوية والأحقية في الاستفادة الاقتصاية المتمثلة في التنقيب على النفط والغاز، كما لها الأحقية عن كثير من الدول المجاورة سواء كانت صديقة أو مناوئة”.
طبعا استدعى الكثير من آيات القرآن التي أنزلها في غير منزلتها .وهنا نحن أمام مجموعة دلالات من ظهور الرجل :
أولا: شرعنة الهدف الأردوغاني من تواجده في ليبيا، وهو هدف اقتصادي يسعى لنهب خيرات ليبيا من النفط والغاز .
ثانيا: الرسالة موجهة إلى دول الجوار الليبي خصوصا مصر، فيما يتعلق بورقة غاز شرق المتوسط المتنازع عليه مع تركيا.
ثالثا: التأكيد على الاتفاقية الأمنية سيئة السمعة، التي وقعها “السراج” مع أردوغان.
في النهاية من يريد أن يعرف المخطط الإخواني الجديد في المنطقة، عليه أن ينظر جليا إلى شخصية “الغنوشي” في تونس، وشخصية “الصادق الغرياني” مفتي السراج، المقيم الآن في تركيا، ويطيل النظر في انهزامات أردوغان الأخيرة، لأنه ببساطة يحاول أن يجيد الهروب إلى الأمام بنفس الكيفية التي يحاول فيها تصدير أزماته إلى الخارج.