سياسة

الحياد الإيجابي وسياسة سلطنة عُمان الخارجية

محمود الورواري


تزامنا مع ميلاد مؤسس السلطنة الحديثة، السلطان قابوس بن سعيد، رحمه الله.. تحتفل عُمان غدا بعيدها الوطني الحادي والخمسين.

في هذا اليوم الوطني تكثر الاحتفالات والتذكير بإنجازات السلطنة، التي تنوعت وشملت جميع المجالات، سواء ما يتعلق بالبنية الداخلية أو بعلاقاتها الخارجية.

الحياد الإيجابي هو الملمح الأبرز والأشهر لسلطنة عُمان، والذي يتفق الجميع عليه منذ تأسيس السلطنة في عام 1970 وصولا لتولي السلطان هيثم بن طارق الحكم في يناير من العام الماضي، لاستكمال مسيرة بدأها المؤسس الأول.

السياسة الخارجية العُمانية منذ تأسيس الدولة لم تتغير، فقد رسم السلطان الراحل قابوس بن سعيد ملامح ومعايير وأسس السياسة الخارجية العُمانية بدقة شديدة، وتقوم على ما يمكن تسميته في علم السياسة بـ”الحياد الإيجابي”.

هذا النوع من الحياد قد يؤدي في بعض الأحيان إلى الانعزال السياسي حين لا يكون تدعمه مواقف واضحة من الدولة، لكن في حالة سلطنة عُمان كان الحياد يلعب دائما دورا إيجابيا عبر تقريب وجهات النظر، وتجلّى ذلك بوضوح في كثير من المواقف منذ حقبة السبعينيات وصولا إلى الأزمات والقضايا الحالية في العالم العربي، سواء في اليمن أو سوريا على سبيل المثال.

ربما الخلفية التعليمية للسلطان المؤسس ساعدته على إدراك أن سلطنة عُمان جزء من حراك عالمي كبير، وهو الذي درس في أشهر الجامعات الغربية وعرف طريقة تفكير الآخر.. عرف أن هناك فرقا بين السياسة كنظرية والسياسة كقوة، فالقوة في مفهومها العام تتنوع بين خشنة تعود إلى الجيوش والتسلح، وناعمة تعود إلى قدرة التأثير عبر الثقافة وأذرعها.

في بداية حكم السلطان قابوس بن سعيد في عام 1970 كانت الأمة العربية خارجة من هزيمة 1967، وكانت مصر والعالم العربي يحاولون بدء عهد جديد، وجاء السلطان قابوس بن سعيد في وقت التغيير العربي هذا.

كانت أولويات السلطان قابوس بن سعيد بناء دولة حديثة ثم دعم السياسة الخارجية بكل تفاعلاتها.

ومنذ انضمام سلطنة عُمان إلى الجامعة العربية في يوليو 1971 تحتفظ لنفسها بخيار سياسي تمثَّل في عدم دخول أي صراع.

كان الموقف الأبرز، الذي أوضح للجميع نهج السياسة الخارجية العُمانية حين وقّع الرئيس المصري الراحل أنور السادات اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979، وقتها لم يقاطع السلطان قابوس بن سعيد مصر، بل دعا إلى ضرورة انتهاج الحلول السلمية لإغلاق بوابات الصراع الكبرى في المنطقة.

وفي كل احتفال بالعيد الوطني العُماني كان السلطان الراحل يؤكد مبادئ السياسة الخارجية لعُمان، وقد حددها في احتفالات السلطنة عام 2007 بقوله: “معالم السياسة الخارجية والداخلية تقوم على التنمية الشاملة المستدامة، وفي الوقت نفسه على الصداقة والسلام والحوار الإيجابي والتعايش والابتعاد عن النزاعات”.

إن فكرة ربط السياسة الخارجية بالسياسة الداخلية في عُمان هو ربط مدروس ودقيق، فلا تنمية شاملة مع وجود صراع، وبالتالي ليس غريباً أن تُصنّف سلطنة عُمان بالبلد الأكثر إحلالا للسلام في العالم، وفقا لمؤشر السلام العالمي.

وانتقلت سلطنة عُمان إلى الجيل الثاني، الذي يكمل بناء الدولة الحديثة بتولي السلطان هيثم بن طارق آل سعيد الحكم في 11 يناير 2020، لتدخل عُمان مرحلة تقوم على المشاركة الشعبية الأوسع والتوسع في التنمية والاستثمارات ووضع عُمان ضمن الدول الأكثر تحقيقا للنمو المستدام في العالم.

 

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى